fbpx
همس اليراع لماذا لم يهزم الانقلابيون!!

بقلم/د. عيدروس نصر

عندما أعلنت عاصفة الحزم في مارس 2015م كان ميزان القوى مختلاً كليةً لصالح الجماعة الانقلابية المتمثلة في تحالف (الحوثي ـ صالح) الذين كانوا يهيمنون على مئات الألوية والوحدات العسكرية المسلحة بمختلف أنواع الأسلحة وأحدثها من الطائرة إلى الكلاشنيكوف ومن منصات إطلاق الصواريخ والصواريخ البالستية إلى الألغام الفردية والجماعية، وكان من الطبيعي أن يمثل انطلاق العاصفة لحظة تحول نوعية في تغير ميزان القوى، واعتقد الكثير من المتابعين والمحللين السياسيين والعسكريين أن شهرين إلى ثلاثة أشهر كافية لإسقاط المشروع الانقلابي، لن نتحدث عن التفاصيل فقد شاهد الناس كيف انطلق المقاومون الجنوبيون الذين لم يتدربوا على استعمال السلاح إلا مع بداية العاصفة، ولم يمض سوى ثلاثة أشهر حتى حانت لحظة رحيل آخر جندي من الغزاة الانقلابيين من محافظات الجنوب (إذا ما استثنينا بعض مناطق بيحان ومكيراس، والتي لعبت الجغرافيا والدسائس دوراً مهماً في تأخير تحريرها) ويهمنا هنا الإقرار بالدور المحوري لقوات التحالف العربي وبوجه الخصوص الأشقاء الإماراتيين والسعوديين في الدعم المادي واللوجستي والتدريبي للمقاومة الجنوبية.

الجنوبيون اعتبروا الانتصار انتصارهم، وهو فعلاً كذلك لأن الذين صنعوا هذا الانتصار هم مقاومون جنوبيون أشرف عليهم وخطط لهم قادة جنوبيون بعضهم كانوا قد استبعدوا من الحياة العسكرية منذ 1994م، ولن ننسى هنا أن نشير إلى الدور العظيم الذي لعبه الشهداء القادة علي ناصر هادي وجعفر محمد سعد وأحمد سيف محسن المحرمي وآخرين كثر لا يتسع المجال لاستعراض بطولاتهم وأسمائهم، والأخير كان قد تعرض لأكبر هجمة من الشتائم والاتهامات على ألسنة وصفحات ومحطات من يدَّعون أنهم يقاومون الانقلاب والانقلابيين ويدعمون الشرعية.

الشرعية أيضا اعتبرت الانتصار لها وهو في الحقيقة كان يصب في مصلحتها لأن الناس جميعا كانوا يراهنون على ما بعد الانتصار من عودة الدولة وبدء إعادة الإعمار وتطبيع الحياة المدنية وتوفير الأمن والخدمات وفتح أبواب الاستثمار ومن ثم الانطلاق لمعالجة التعقيدات السياسية وعلى رأسها القضية الجنوبية.

للأسف الشديد أثبتت حكومات الشرعية (مع استثناءات جزئية لفترات قصيرة متباعدة) أنها عاجزة عن إدارة حارة كبيرة بحجم مدينة كريتر، وليس مدينة بحجم عدن فكيف ستدير دولة جديدة مترامية الأطراف وتتصدى لمهمات جليلة بعضها يستدعي عبقريات في الاقتصاد وعلوم الإدارة والقانون والتنمية البشرية وتكنولوجيا المعلومات.

فشلت حكومات الشرعية في شراء شفاطة ماء لتنظيف شوارع عدن من مياه الصرف الصحي التي تحاصر المواطنين وتنقل لهم الأوبئة وتحول حياتهم إلى جحيم مسمم، مثلما فشلت في مطاردة قاتل ارتدى قناعه وركب سايكله الموتور وقتل العشرات بدم بارد واختفى كما يختفي فص الملح في كوب الماء بينما تكتفي الشرعية ببيانات النعي وبرقيات العزاء والمواساة.

الحكومات الشرعية عجزت عن علاج مئات الجرحى وتعويض أسر مئات الشهداء الذين صعدت على أرواحهم وجراحهم ودمائهم فتركت الجرحى يتعرضون لمختلف أنواع الإهانات والتحقير في المستشفيات والفنادق والطرد إلى الشوارع كما تركت أسر الشهداء يتضورون جوعا ويبحثون عما يسد رمقهم من الطعام في الجمعيات الخيرية وعند المتصدقين من أهل الخير، كل ذلك نتيجة للفساد الذي يمارسه باسمهم المشرفون الشرعيون على هذا الملف.

يحاجج الحوثيون عند معاتبتهم لعدم تسليم مدينة الحديدة قائلين: هل تريدون الحديدة أن تصبح مثل عدن؟ السؤال كيدي بكل تأكيد لأن استراتيجية الحوثيين تقوم على السيطرة على الأرض حتى لو مات كل من عليها، لكن المستمع الأجنبي والخبير والمبعوث الدوليين سيقتنعون بحجة الانقلابيين مهما كان فيها من الادعاء والزيف والخداع.

لم يُهزَم الانقلابيون الحوثيون ليس لأنهم أكثر من الشرعية قوةً وبأساً وعدداً وعتاداً ولا لأنهم أفضل منها حنكةً واستقامة وأقوى حجةً، هم لم يهزموا لسبب بسيط، لأن الشرعية قدمت أسوأ نموذج لدولة تدعي أنها شرعية وكل شرعيتها تقوم على رئيس انتخب لسنتين قبل سبع سنوات، وبرلمان منشطر انتخب قبل 15 عاما عاجز عن عقد اجتماع لإعلان حل نفسه وقادة ينهبون مرتبات مرؤوسيهم ويستولون على مخصصات الحرب ليضيفوها إلى أرصدتهم في البنول الدولية، وسيطول الحديث هنا عن الفساد الشرعي الذي غدا معه فساد الانقلابيين مجرد لعب عيال.

وباختصار شديد الانقلابيون لم يهزموا ولن يهزموا لأن بين رجال الشرعية وقادتها من هم أكثر سوءً وأسوأ سمعةً من الانقلابيين وأصحاب تاريخ يكتظ بالسوابق التي تستدعي وقوفهم في أقفاص الاتهام، ومعظم هؤلاء يرون في هزيمة الانقلابيين كارثة ستؤدي إلى إغلاق حنفية الدعم وقطع الرزق الوفير الذي يجنونه من وراء نهب المخصصات وابتزاز الجيران بـ”الحوثي المدعوم من إيران”.

لن يهزم الانقلاب والانقلابيون لأن الشرعية تدعي الحرب عليهم وعينها على الجنوب والجنوبيين الذين تفوقوا على كل ممثليها وقادتها رجولةً وشجاعةً وصدقاً ونقاءً وإخلاصاً وأخلاقاً واستعداداً للتضحية، وهذا ما يؤرق الشرعيين والانقلابيين على السواء.