fbpx
ضبابية الرؤية والغبار الكثيف العالق:

مذكرات في زمن الكورونا:

أوقفتني هذه العبارة المدهشة :” كل شيء تكشفه بتقادم العمر هو موجود قبلاً ولكنك كنت أصغر من أن تراه” كالغبار الكثيف يفقدك الرؤية، أو كسراب تحسبه ماء من شدة العطش، حتى ينجلي الغبار، وتكتشف أنك لم تكن مخدوع، فقط تحتاج نوع خاص من النظارات ستحصل عليها مع مرور الزمن.

وحدها هي التجربة من تعجل في نضجك، وعوامل التعرية في روحك ونفسك تسوي تلك النتوأت بداخلك، لتحدث توازن واعتدال في الرؤية، وحتى ترى كل شيء بوضوح تحتاج تدفع ضريبة العمر، وتجاعيد وخشونة في جلدك الأملس، وشيء من البياض يعتلي جمجة رأسك.

الفكرة لا تولد الا في رأس ناشف، قد زاحم الحياة، وغالبها تارة منتصرا وتارة مهزوما، كصخرة حطها سيل عرمرم ، تتمايل هناك وهناك، تتخطى المطبات لقوتها واندفاعها ثم تسكن في قعر جبل، أو منحنى قوي، تركن فيه، وتستقر لبقية العمر.

عقولنا معمل تجارب، ومختبر لكشف تلك الفيروسات التي تتشكل دائما، وتنقرض ثم تنبعث من جديد، حتى ننتج مصلا قويا يستطيع أن يقف في وجه الفيروس ويتعامل معها بسهولة.

والمثير للإستغراب أن لسعات الزمن، وتلك الجروح التي تطرحك أرضا، هي نفسها من تكسبك قوة للوقوق في وجه المنايا والمنون، تماما كما نحصن أطفالنا في الصغر.

معضلة قصر التفكير وضبابية الرؤية انعكاس لمحيطك الصغير، وعندما تبلغ أشدك، تتوسع دائرة الاهتمام، ويتوسع محيط قطر الدائرة، ومع توسعها تذبل ويبدو عليها مؤشرات الرحيل، لتصبح رؤيتك أكثر وضوحا، ، فوحده التفكير بالموت من يكسبك الوضوح ويزيل الغبار العالق في مقلة العين ، وقد قيل ” أن تتذكر أنك ستموت، هي أفضل طريقة لتفادي فخ التفكير بأن لديك شيء لتخسره”

د.عبد المجيد العمري