fbpx
اليمن… تحدي استيعاب المساعدات
شارك الخبر
اليمن… تحدي استيعاب المساعدات

توم بيتر – “كريستيان ساينس مونيتور”

 

بينمـا يهـدأ صخب الانتفاضـة الشعبيـة التي بدأت في اليمن قبل عام تقريباً، يأمل اللاعبون الدوليون في دعم الرئيس الجديد في وقت ينكب فيه على التعاطي مع المشكلات الإنسانية والأمنية الكثيرة التي تواجه البلاد، ومن ضمن هذه المشكلات وجود واحد من أكثر فروع تنظيم “القاعدة” إثارة للقلق عبر العالم. ذلك أن ثلث سكان اليمن يجوعون، و500 ألف طفل يقال إنهم يواجهون خطر الموت جراء سوء التغذية، و45 في المئة من السكان يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، هذا في وقت تتوقع فيه الدراسات أن تجف آبار العاصمة بحلول 2015 بسبب استنزاف هذا البلد القاحل لموارده المائية المتواضعة.

وفي غضون ذلك، خلق تدهورُ الأوضاع الأمنية في اليمن فرصة لـ”تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، الذي سبق له أن حاول تفجير طائرات متوجهة إلى الولايات المتحدة مرتين خلال السنوات القليلة الماضية. والحال أن الدول الغربية تنظر إلى المساعدات الخارجية باعتبارها وسيلة للتصدي لخطر التطرف.

وفي هذا السياق، يقول جيرالد فيرشتاين، السفير الأميركي لدى اليمن، في حوار معه: “إن الولايات المتحدة سيكون لديها دور بالغ الأهمية في محاولة مساعدة اليمن على القيام بالإصلاحات الضرورية إضافة إلى توفير المساعدات التي ستسمح له بالتقدم إلى الأمام اقتصاديّاً”.

 
ولكن اليمن، بمؤسساته الحكومية الضعيفة وفساده المستشري، لديه ماض من المعاناة والكفاح من أجل استيعاب وتوظيف المساعدات بشكل فعال. وتوفير كمية كبيرة جداً من المساعدات بشكل سريع يمكن أن تكون له عواقب مدمرة، مثلما تظهر تجربة الغرب الممتدة على عشر سنوات في أفغانستان. ولذلك، وبينما يتوق اللاعبون الدوليون، من الولايات المتحدة إلى صندوق النقد الدولي، إلى إرسال مساعدات، فإن بعض السياسيين اليمنيين يحذرون من عواقب خلق اعتماد كبير جداً على المساعدات الخارجية -مقدمين بدلاً من ذلك الخطوط العريضة لرؤية للاستثمار الخارجي.
وفي هذا السياق، يقول محمد أبو لحوم، زعيم حزب العدالة والبناء وهو سياسي يمني بارز: “إن اليمن ليس في حاجة للعيش على الصدقات”، مضيفاً “إذا أصبحنا دولة رفاه اجتماعي، فإننا سنصبح دولة فاشلة… قدموا لليمن مساعدات، ولكن زيدوا الاستثمارات في البلاد أيضاً”.

يذكر هنا أن صندوق النقد الدولي أشار إلى استعداده لمناقشة برامج مساعدات جديدة في اليمن الآن بعد أن تمت تنحية الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأضحى الوضع أكثر هدوءاً. ومن المرجح أن يحذو حذوه مانحون أجانب آخرون في حال استطاع اليمن الحفاظ على قدر من الاستقرار.

والواقع أن حساب مستوى المساعدات التي يستطيع بلد ما التعامل معها يختلف من مكان إلى آخر، ولكن هناك بعض المؤشرات العامة بخصوص ما إن كانت المساعدات ستنجح. وفي هذا الإطار، وجدت دراسة أنجزها مركز التنمية العالمية أنه عندما يناهز مستوى المساعدات 15 إلى 25 في المئة من الناتج المحلي الخام لبلد ما، فإن عائداتها تشرع في التقلص.

ففي أفغانستان مثلاً، حيث تشكل المساعدات والإنفاق العسكري الدولي اليوم 97 في المئة من الناتج المحلي الخام، يحذر البنك الدولي من انهيار اقتصادي في حال لم يتوخ المانحون الحذر بشأن قطع المساعدات عن البلد ببطء وعلى نحو تدريجي.

وفي هذا السياق، يقول محمد الميتمي، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة صنعاء في العاصمة اليمنية: “إن المساعدات الدولية تعتبر بالغة الأهمية على المدى القصير، ولكنني أخشى أن تشوه الاقتصاد اليمني على المديين المتوسط والطويل”، مضيفاً “أعتقد أن المجتمع الدولي بات اليوم أكثر وعياً بشأن كيفية مساعدة اليمن بالطريقة الصحيحة. ذلك أنهم اكتسبوا تجربة كبيرة في عدة بلدان، مثل أفغانستان، وتعلموا أن المساعدات في حد ذاتها لا يمكن أن تجعل بلداً ما مستديماً اقتصاديّاً”.

والواقع أنه مازال من غير المرجح أن بلداً مثل اليمن، سيتلقى مستويات كبيرة جداً من المساعدات على غرار تلك التي شوهدت في أفغانستان؛ غير أن المؤكد هو أن البلاد أظهرت منذ بعض الوقت صعوبة في استيعاب كميات صغيرة نسبيّاً من المساعدة. ففي 2006، كان المانحون الدوليون قد تعهدوا بـ 5,5 مليار دولار من المساعدات لليمن. ولكن وبعد قرابة ست سنوات، فإن 7 في المئة فقط من تلك الأموال أنفقت في الواقع.

وقبل الانتفاضة التي دامت عاماً، كان معظم المحللين يعزون فشل المساعدات في بلوغ أهدافها المقصودة إلى الافتقار إلى القدرة على الاستيعاب، والفساد، وفشل الحكومة في إيلاء الأولوية لاحتياجات إنفاق المساعدات. واليوم قد يكون لدى اليمن رئيس جديد، إلا أن البلد لم يتخلص بعد من كثير من المشاكل نفسها التي كانت تعيق إنفاق المساعدات هنا في الماضي.

ويتوقع جلال يعقوب، وهو نائب وزير بوزارة المالية، أن يواجه اليمن اختلالاً في التوازن بسبب تدفق أموال بكميات أكبر مما تستطيع الحكومة إنفاقه على نحو فعال إذ يقول: “هذا بالضبط ما تمت مواجهته في العراق. فهناك هذه الحاجة العاجلة التي استشعرها المجتمع الدولي لضخ المال من أجل دعم البلاد، ولكن البلاد بالمقابل ليست مستعدة لاستيعاب ذلك المال، سواء كان ذلك استعداداً سياسيّاً أو تقنيّاً”، مضيفاً: “إن الأمر أشبه بمن يصب سطلاً من الماء في عنق زجاجة صغير. فالكثير من الماء سينسكب خارج الزجاجة ولن يدخل إلى حيث يراد له أن يذهب”.

أخبار ذات صله