fbpx
خليفة بن زايد … تمكين وازدهار وتميز
شارك الخبر

يافع نيوز – البيان

في المسافة بين الحلم وتحققه على أرض الواقع، بسط المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، يده، وقام بدوره إزاء بلده وشعبه، واضطلع بمهماته في تبني قضايا أمته العربية والإسلامية، وقام بواجباتها الإنسانية.
ارتبط اسمه بالاتحاد وتمكينه، وبدأب القائد المجبول على العمل، صاغ مسيرته في خدمة الوطن، ورسخ صيته ابناً باراً لشعبه وأمته، وقاد الدولة في دروب التمكين المكينة، ورسخ عزتها ووجودها.

سيرة المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، هي سيرة جسر عظيم، يصل الماضي بالحاضر، ويقيم تواصلاً بين التقاليد التي أرساها الآباء المؤسسون، والابتكار والإبداع، اللذين ترعاهما القيادة الرشيدة، التي تبني إمارات المستقبل.

فقدت دولة الإمارات بوفاة المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، علماً من أعلامها، وقلباً نابضاً، ودع دنيانا الفانية بعد أن وطّن في أرض بلاده الأمل والتفاؤل، وبنى فيها صروحاً للخير والمعرفة، ورسّخ في جنباتها بنيان وأسس الدولة الحديثة.

إنها خسارة كبيرة، لكن الراحل الكبير، كان قد اجتاز بالإمارات، لدى مغادرته، المسافة بين الحلم وتحققه على أرض الواقع. وترك لأبناء هذا الوطن إرثاً من الوفاء والإخلاص والمحبة والتفاني.

مثلت قيادة الراحل الكبير للدولة، واحدة من أغنى الفترات على مستوى تحقيق الإنجازات وتنوعها، والمبادرات وأهميتها. وكان الأبرز فيها أن الرؤية القيادية التي انتهجها، رحمه الله، أتاحت لأجيال جديدة من أبناء الإمارات، التفاعل مع عقل الدولة، والانخراط في جهودها التنموية، ونهضتها العامرة.

سيرة عطرة

وُلد المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في السابع من سبتمبر 1948، في قصر المويجعي في مدينة العين، وتلقى تعليمه المدرسي فيها بالمدرسة النهيانية، التي أنشأها المغفور له، الأب المؤسس، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وقضى معظم طفولته في واحات العين.

واكب، رحمه الله، تاريخ الإمارات في جميع مراحله، فقد حرص والده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على اصطحابه في معظم نشاطاته وزياراته اليومية، وظل ملازماً لوالده في مهمته لتحسين حياة القبائل في المنطقة، وإقامة سلطة الدولة، ما كان له الأثر الكبير في تعليمه القيم الأساسية لتحمل المسؤولية والثقة والعدالة.

وكان أول منصب رسمي يشغله، قبل توليه ولاية عهد إمارة أبوظبي، هو ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية، ورئيس المحاكم فيها، وكان لهذا المنصب أهمية كبيرة في حياته. وخلال وجوده في مدينة العين، تلك الفترة، أُتيحت له فرصة واسعة للاحتكاك اليومي بالمواطنين، والاطّلاع على أحوالهم، والتعرف إلى تطلعاتهم وآمالهم.

وبعد قيام الاتحاد عام 1971، أضحى واحداً من أهم رموز الدولة الاتحادية، وصاحب دور ريادي في توطيد أركانها، وتمكينها، وتعزيز بنيانها. وقاد الدولة الاتحادية في عهدها الثاني (منذ 3 نوفمبر 2004)، وتسلم قبل ذلك مناصب حيوية عدة، منها منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

قيادة

منذ توليه رئاسة الدولة، تابع، رحمه الله، مشاريع التطوير والتحديث التي شهدتها الدولة وإمارة أبوظبي، وتولّى الإشراف على صياغة السياسة النفطية، ووضع الأسس لعلاقة مثمرة مع الشركات النفطية العاملة، وتولى رئاسة المجلس الأعلى للبترول، كما أسس وترأس جهاز أبوظبي للاستثمار، ووضع رؤية استراتيجية لتنمية الموارد المالية، وتوفير دخل مستقر للأجيال المقبلة.

أسس، رحمه الله «دائرة الخدمات الاجتماعية والمباني التجارية»، التي عُرفت بـ «لجنة الشيخ خليفة»، التي قادت برنامج رعاية اجتماعية، وتقديم تمويلات للمواطنين، بدون أي فوائد، لإنشاء مبانٍ تجارية، ما أسهم في إحداث نقلة نوعية في الواقع الاجتماعي ومستويات الدخل. كما ساعد في ازدهار النهضة العمرانية في البلاد.

أعطى، رحمه الله، اهتماماً كبيراً لمشاريع تطوير وتحديث البنية التحتية، ومرافق الخدمات المختلفة، وعمل على بناء جهاز إداري حديث، ومنظومة تشريعية متكاملة، باعتبار ذلك أساساً لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أطلق مبادرة لتطوير تجربة السلطة التشريعية لتعديل أسلوب اختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، بحيث يتم الجمع بين الانتخاب والتعيين كخطوة أولى، تتيح في نهاية المطاف، اختيار أعضاء المجلس عبر انتخابات مباشرة.

سمات شخصية

عُرف عنه، طيب الله ثراه، الدقة في المواعيد، والالتزام ببرنامج عمل يومي صارم، يوزعه بين المهام الرسمية العديدة التي يتولاها، وبين اللقاءات مع المواطنين، كما عرف عنه بأنه مستمع جيد، يمتاز بالدماثة والتواضع في تعامله مع الآخرين، ما أكسبه محبة المواطنين واحترامهم، وكان هادئ الطباع، قارئاً للتاريخ، محباً للشعر والأدب.

وعُرف عنه، رحمه الله، حرصه على أن تكون دولة الإمارات، عنواناً لمد يد العون والمساعدة والمساندة، إلى كل محتاج من دون تمييز، بسبب العرق أو اللون أو الدّين أو الجنس، فأسس «مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية»، التي ساهمت بشكل فعال في المشاريع الإنسانية المختلفة، في أكثر من 40 بلداً حول العالم.

وكان أن اعتبرته صحيفة التايمز، من القادة الخمسة والعشرين الأكثر تأثيراً في العالم.

مهام

في 1 فبراير 1969، تم ترشيحه، طيب الله ثراه، لمنصب ولي عهد إمارة أبوظبي، وفي اليوم التالي، تولّى مهام دائرة الدفاع في الإمارة، فأنشأ دائرة الدفاع في أبوظبي، التي أصبحت في ما بعد، النواة التي شكلت القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي 2 ديسمبر 1971، أعلن عن قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، ورفع علم الاتحاد في إمارة أبوظبي مباشرة بعد الإعلان عن قيام الاتحاد، وتوجه، رحمه الله، يومها، إلى ساحة قصر المنهل، وأمر برفع العلم الاتحادي على سارية القصر، وقام اثنان من جنود الحرس الأميري، برفع العلم، ورفع المغفور له الشيخ خليفة يده بالتحية لعلم الاتحاد، الذي رفرف في البلاد لأول مرة.

في 23 ديسمبر 1973، تولى، طيب الله ثراه، منصب نائب رئيس الوزراء في مجلس الوزراء الثاني، وبعد ذلك بوقت قصير، (في 20 يناير 1974)، تولّى مهام رئاسة المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي.

في مايو 1976، عُيّن نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة، في أعقاب القرار التاريخي للمجلس الأعلى للاتحاد، بدمج القوات المسلحة، تحت قيادة واحدة وعلم واحد، وانصرف جُلَّ اهتمامه إلى جعل المؤسسة العسكرية، معهداً كبيراً متعدد الاختصاصات، يتم فيه إعداد كوادر بشرية مدربة.

تمكين

ظلت رفاهية المواطن وسعادته، من أولويات المغفور له الشيخ خليفة، منذ أن تولى مقاليد الحكم، فقد عرفت دولة الإمارات العربية المتحدة، طريقها نحو نهضة تنموية مواكبة للألفية الجديدة، من خلال توفير أرقى الخدمات، خاصة في قطاعات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية، وغيرها من المتطلبات الضرورية، التي تؤمّن للمواطنين الحياة الكريمة والمستقبل الآمن لهم لأبنائهم.

ويُعد، طيب الله ثراه، من القيادات التاريخية المشهود لها بالعطاء والبذل، على مدى 45 عاماً من العمل الوطني، في خدمة الوطن والمواطن، منذ أن شارك، وهو في صباه، إلى جانب والده، المغفور له، الشيخ زايد، في مرحلة التأسيس لبناء الوطن، ومواكبة مسيرة التقدم في العالم، وأنجز بهمة وكفاءة ودرجة عالية من المسؤولية الوطنية، المهام التي أوكلت إليه في مختلف المناصب الرئيسة التي شغلها، خلال مراحل بناء نهضة إمارة أبوظبي، ومن ثم دولة الإمارات العربية المتحدة.

كان رحمه الله صاحب فكر سياسي، عبّر عنه في أكثر من مناسبة، وبرز فيه التمكين مبدأ أساسياً في رؤيته، ومن ذلك خطابه لدى استقباله رئيس المجلس الوطني الاتحادي المنتخب، وعدداً من أعضائه في 17 يناير 2012، حيث قال:

«إن العام المنصرم، شهد منعطفاً مهماً في طريق التمكين السياسي، وتعميق الممارسة الديمقراطية بانعقاد المجلس الوطني الاتحادي في فصله التشريعي الرابع عشر، فكان نصف أعضائه من العناصر المنتخبة، فيما تبوأت المرأة أكثر من 22 في المئة من مقاعده، بما أضفى على التجربة ثراء وحيوية، وما زلنا على عهدنا قبل عامين، أن نصل بالتجربة الديمقراطية إلى مقاصدها، بتوسيع نطاق المشاركة، وتعزيز دور المجلس الوطني، كسلطة تشريعية ورقابية».

أما في أول خطاب له، بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد، في الأول من ديسمبر 2004، فقد تعهد، طيب الله ثراه، بالعمل بتفانٍ في خدمة الوطن والمواطن، لتحقيق المزيد من العزة والرفاهية، وبمواصلة العمل في كل الميادين، من أجل المحافظة على المكاسب الوطنية، وتحقيق المزيد من الإنجازات على طريق تقدم الوطن وسعادة المواطن، حيث قال: «إن ما وصلت إليه بلادنا من مكانة ورفعة وعزة، وما تنعم به من طمأنينة ورخاء، هو ثمرة مسيرة طويلة من الجهد والمثابرة والعمل الشاق الدؤوب، قادها فقيدنا الكبير (الشيخ زايد) بحكمة وحلم وصبر، إذ رسخ كل ثروات البلاد، ونذر حياته لبناء الوطن وتقدمه، وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين على أرض الدولة، حتى أصبحنا على ما نحن عليه اليوم، لقد ترسخت دعائم اتحادنا الشامخ، وأصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة، والحمد لله، علامة بارزة على تقدم الدول والأمم، بما انتهجته من سياسات حكيمة، وحققته من منجزات عظيمة، وما تنعم به من أمن واستقرار وازدهار وطمأنينة».

إنجازات

احتلت دولة الإمارات في عهده، طيب الله ثراه، المركز الثالث عالمياً في مؤشر ثقة المواطنين بالقادة السياسيين فيها، من بين 148 دولة في العالم، بحسب تقرير التنافسية الدولية للمنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» لعام 2013 ـــــ 2014.

وأعلن، رحمه الله، في خطابه في اليوم الوطني الرابع والثلاثين، في الأول من ديسمبر 2005، عن برنامج «التمكين» السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي، وحدد مرحلة التمكين، بفتح المجالات كافة أمام المشاركة الشعبية لأبنائه المواطنين، وبناته المواطنات، بإعلان تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي، وتمكينه ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للسلطة التنفيذية، وليكون أكبر قدرة وفاعلية والتصاقاً بقضايا الوطن وهموم المواطن، يبدأ بتفعيل دوره عبر انتخاب نصف أعضائه.

وتم بالفعل إنجاز هذه المرحلة التاريخية بنجاح، بإجراء انتخابات حرة مباشرة لنصف أعضاء المجلس، في دورتين متتاليتين، في عام 2006 وعام 2011، بمشاركة فاعلة للمرأة ـ لأول مرة ـ أسفرت عن فوز مرشحة واحدة في كل دورة.

كما حدد أهداف مرحلة التمكين في المجالات الأخرى، قائلاً: «إننا اليوم على مشارف مرحلة جديدة، غايتها تكريس مبادئ سيادة القانون وقيم المساءلة والشفافية وتكافؤ الفرص، وتحقيقاً لهذا، فإن المرحلة الجديدة، تتطلب إعادة بناء وإعادة ترتيب وإعادة تأهيل للنظم والهياكل الحكومية القائمة، من حيث بنيتها ووظيفتها».

وأضاف: «ولقد شرعنا بالفعل في التهيئة لمرحلة التمكين، بسَنِّ التشريعات، واتخاذ الإجراءات المنظمة لما هو قائم من الدوائر والمؤسسات والأنشطة والعلاقات، بضبط المترهل منها، وتقويم المعوجّ، ودفع الباطل، والتخلص من المُعوق، والتحرر من عبء ما انقطع منه الرجاء، وتحسين الإنتاج والخدمات، وتوجيه الجهد، دعماً وتطويراً وتحفيزاً للمؤسسات والهياكل والأنشطة والكوادر الواعدة، تهيئة للظروف المؤهلة لانطلاق واعٍ نحو آفاق القرن الحادي والعشرين».

عهد عطاء

شهد عهد المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، توجهات تنموية رئيسة، ومبادرات ابتكارية، منها التوجه الاستثماري، وإنشاء بنية تحتية قوية، والالتفات إلى حقوق المرأة، وتعزيز التوازن بين الجنسين، والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية لموظفي الحكومة الاتحادية، وإقرار قوانين الحوكمة، ومساءلة الوزراء وكبار موظفي الاتحاد.

وفي جانب آخر، شهدت السياسة الخارجية في عهده، رحمه الله، نقلة نوعية. وفي هذا، وضح، طيب الله ثراه، رؤيته في هذا الشأن، في الثاني من ديسمبر عام 2005، في خطاب ألقاه في الذكرى الرابعة والثلاثين لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وضّح فيه الخطوط العريضة لسياسة دولة الإمارات العربية المتحدة الخارجية، على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي والعالمي، ووصف السياسة الخارجية لدولة الإمارات، بأنها ترتكز على قواعد ومبادئ وأسس واضحة وثابتة، أساسها الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وإقامة العلاقات على أساس المصالح المتبادلة، وتنمية روح التعاون، وحل المشكلات والنزاعات بالطرق السلمية، والالتزام بالمواثيق العربية والإسلامية والدولية، والوقوف إلى جانب الحق والعدل، والمشاركة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين.

علاقات تكاملية

وفي الصدارة من ذلك، كانت العلاقات التكاملية مع دول «مجلس التعاون»، وكذلك العلاقات مع الدول العربية، ودعم العمل العربي المشترك، من خلال جامعة الدول العربية ومؤسساتها ومنظماتها المتخصصة.

وفي مجال الإنجازات والمبادرات المحلية، أطلق، طيب الله ثراه، العديد من المبادرات والقرارات، التي تهدف إلى تحسين جودة الحياة للوطن والمواطن، وتحقيق الأولويات العليا للدولة، وأهدافها التنموية المستدامة. ومن هذه: عام الابتكار، وعام القراءة، وعام الخير، وعام زايد، وعام التسامح.

وفي الجانب الاجتماعي، أولى، رحمه الله، اهتمامه بـ «إحلال المساكن القديمة»، وبناء وإصلاح منازل المواطنين، ومعالجة الديون المتعثرة، وتعزيز مشاركة الكوادر الوطنية في سوق العمل. كما حفل سجل مآثره، رحمه الله، بالاهتمام بالشؤون الإسلامية والدينية. وكذلك بالأعمال الإنسانية والخيرية.

رحم الله المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وجزاه كل خير، على ما قدمت يداه، وما أعطى من رؤية وقيادة.

 

صحيفة البيان الاماراتية