fbpx
عن الغباء الجنوبي؛ كـ”كنزٍ لا يُفنى”!

أمين اليافعي

كان الجميع (جنوباً) يُهلل ويُكبّر لكل ما يقوله الحوثي عن قضيتهم لدرجة أن البعض منهم قد أختلط عليه الأمر فلم يظنه سوى واحداً من ممثليه، بل أكثر ممثليه براعة بالحديث عن القضيّة، سد في كفاءة أعضاءه، الكفاءة التي افتقدها الحراكيّون في هزالة ممثليهم البادين على السطح، حتى أن البعض لم يُمانع بـ”مقاولة” المتحدث باسم “أنصار الله” منصب المتحدث الرسمي للحراك الجنوبي؛ وليجمع بين اثنتين يكاد يستحيل الجمع بينهما.
والاستحالة هنا لا تنبع من مجرد تقسيمات اجتماعية وثقافية ودينية باتت مثاراً لخوض المعارك الخطابية الشرسة في سبيلها مؤخراً، ولكنها تأتي من حقيقة أن “المصالح” المُؤسَّسة مِما أُعتبر بعد حرب صيف 94 “واقعاً قائماً” تكاد تكون متناقضة في الواقع الفعلي للقوى الاجتماعية التي يُمثلها كل طرفٍ، ومُلزّم أن يُعبّر عنها بالضرورة. ولهذا غالباً ما كنتَ تجد خِطاب جماعة الحوثي المُسانِد للقضية الجنوبيّة يتمحور حول تعنيف من قاموا بالظلم، وتعنيفهم ـ أخلاقياً ـ بالمناسبة مثل المصلحة المشتركة الوحيدة بين الطرفين، وهو طريقً سلكه أيضاً حزب “الإصلاح” في مرحلةٍ سابقةٍ وبطريقته الخاصة هو الآخر، دون أن يذهب ـ خطابهم ـ جميعاً إلى تعنيف الواقع الذي ترتب على الظلم، أو يَصِل إلى المستوى الذي يستحقه!
تحدث أتباع الحوثي عن القضية الجنوبية بأكثر مما يتحدثون عن قضيتهم، وربما بأكثر مما تحدثوا عن أي قضيّةٍ أخرى، فقد كانت أخصب القضايا، وكانت أكثر المداخل فُسحةً للتعنيف الأخلاقي.
وأيّاً تكن المرامي والأهداف من وراء ذلك، فقد استحقوا الشكر الجزيل عن دورٍ أفتقر إليه أصحابه أيما افتقار، وأظن الجنوبيين لم يقصروا في شكرهم ومؤازرتهم. وفي النهاية لا يمكن أن تلوم الآخرين عن التقصير في الدور الذي يفترض أن تقوم به بنفسك، ثم ان هذه هي طبيعة السياسة المنفلتة من القواعد والضوابط؛ الغالب، حين يّغْلِب يحوز كل شيءٍ والمغلوب يُدْفع بقوةٍ هائلةٍ إلى أقصى الهامش!
حالياً بات الحوثي في وضعيّةٍ مختلفةٍ تماماً، وضعيّة الغالب المنتصر المظفر، الوضعيّة التي ورِث فيها سلطة الشمال، وهيمنته، ولا يمكن والحالُ كهذا، وفي بلادٍ لا تصوغها سوى قواعد وضوابط “الغّلبة”، الاطمئنان إلى النوايا الحسنة الصادرة بين فينة واخرى عن بعضٍ من طيبي “أنصار الله”.
فطبيعة السلطة السياسية في المجتمعات “الجماعاتية ـ اللافردانية” بالذات مُشكلّة من قوى اجتماعية متضامنة عصبويّاً، وتهيمن مصالح وسلوكيات وعادات وثقافة هذه القوى على ممارسات السلطة، ومصالحها، وتوجه أهدافها وغاياتها بغض النظر عن مدى تَحضُر النُخب الموجودة، وبطريقةٍ ديكوريّةٍ في العادة، في أعلى منصات هذه السلطة ( هذا ما لمسناه جيداً في عمليّة نهب العاصمة اليمنية صنعاء خلال الأيام الماضيّة).
يملك الجنوب امتيازات اقتصادية وجغرافية واستراتيجيّة هائلةً، وهو بالنسبة للشمال، كل الشمال ـ قبائله وعساكره ونخبه..إلخ، غنيمةً لا يمكن التفريط فيها، فكيف سيكون الحال لجماعة هي امتداد لقوى الشمال الاجتماعيّة، وممثلة بالضرورة لمصالحها، ووارثة لسلطتها وهيمنتها وجورها وطغيانها، فوق ذلك يُعلن زعيمها (عبدالملك) على الملا في خطبة عاشوراء من العالم الفائت بأن مشروعه “أكبر من وطن”؟… كيف يمكن لمنطقٍ سويٍّ أن يتوقع نهايةً سعيدةً لاحلامه وامنياته عن طريق مسلسل “وادي الذئاب” الحقيقي!
عدا عن أن توقعاً كهذا لا يُنبئ إلا عن غباءٍ لا حدود له كالكون، فلو كان عبد الملك الحوثي مثل جده ـ كما يحلو له أن يدّعي ـ وفي إنسانية المهاتما غاندي، ما كان غيّر من الأمر شيئاً نظراً لطبيعة السياسة وقوانينها وطبيعة القوى الاجتماعية التي ستجره خلفها بأكثر مما يجرها!