fbpx
الجنوبيون.. بين الالتفات للمؤتمر الجنوبي الجامع أو الذهاب مرة أخرى إلى (صنعاء)؟

في الـ30 من نوفمبر 2014 احتشد مئات الآلاف من المتظاهرين الجنوبيين في ساحة العروض الشهيرة في مدينة عدن , رغم حرارة الشمس إلا أنهم استمروا في الهتاف وترديد الشعارات المناوئة للوجود اليمني الشمالي في بلادهم.

في أحد البنايات المطلة على الساحة – التي كانت تحتضن عروض الجيش الجنوبي المندثر إثر حرب الشمال في منتصف تسعينيات القرن الماضي-  يراقب مصور صحافي , بصمت  الهتافات , يلتقط بعدسته صورا للحشود , يرفع المتظاهرون الأعلام الوطنية لدولتهم التي دخلت في وحدة غير مدروسة – كما يقولون-  في حين أن آخرين يرفعون علم الجنوب العربي كنوع من تمسكهم بهويتهم الجنوبية بعيداً عن اليمننة التي يقول ساسة جنوبيون أنه على مدى التاريخ لم تنشأ دولة اسمها (اليمن) , وأن يمننة بلادهم هدفها القضاء على كيان الدولة التي نشأت على شريط البحر العربي  وخليج عدن.

سبق فعالية الـ30 من نوفمبر تحريض إعلامي كبير على المشاركة فيها , ومن ضمن هذا التحريض الإعلامي كان من قبل ناشطين يرون أن قيادات الدولة الجنوبية التي تم القضاء عليها في حرب فشل الوحدة , هي السبب في ما وصلوا إليه وأن عليهم التمرد على تلك القيادات وتشكيل قيادات جنوبية من ساحة الاعتصام الممتد منذ فعالية أكتوبر.

كان ناشطون جنوبيون لهم تأثير كبير في الساحة يسعون لتشكيل قيادة موحدة على الأقل في الداخل , لكن ما الذي حصل عقب ذلك؟.

تفاجأ كثير من الناشطين انحراف هدف من كان في الساحة لتصبح المطالب من تشكيل قيادة جنوبية شابة , والتمرد على قيادات الجنوب الماضية , إلى شروط وأهداف زعموا أنهم يسعون لتحقيقها في الـ30  من نوفمبر 2014م , كان من بين تلك الأهداف التي حددوها بالثلاث , هي طرد العسكريين الشماليين من الجنوب وتسليم الوحدات العسكرية لعسكريين جنوبيين لإدارتها , وكذا وقف أعمال التصدير للنفط من الجنوب , وإطلاق سراح المعتقلين “.

في مساء الـ29 من نوفمبر  كانت ساحة العروض تستقبل الآلاف من الجنوبيين الذين قدموا من مدن وبلدات عدة للمشاركة في اليوم الحاسم لقضيتهم.

على منصة الخطابة في الساحة يقف شاب في الـ30 يردد هتافات مناهضة للوجود الشمالي في بلادهم , ويطالب بتسليم مؤسسات الدولة لأبناء الجنوب , الذين جمعتهم الساحة بمختلف انتماءاتهم وأعمالهم , حيث أن الكثير من المؤسسات في مدينة  عدن قد أعلنت انضمامها لساحة الاعتصام.

لا يعرف الكثير من الناشطين الأسباب التي دفعت الكثير لتغيير المطالب من هدف تشكيل قيادة جنوبية موحدة إلى المطالبة بتسليم المرافق الحكومية للدولة الجنوبية المنشودة.

قبيل الفعالية يعترف القيادي الجنوبي عبدالرحمن الجفري أنهم غير قادرين على تحقيق الأهداف والشروط التي تم وضعها قبيل فعالية الـ30 من نوفمبر  والمتمثلة في فرض الاستقلال على الأرض وطرد الوجود الشمالي.

 وطرح الكثير من الأسباب التي يعتقد هو أنها غير مساعدة لإعلان الاستقلال من طرف الجنوبيين , من بينها أن صنعاء تتحكم في كثير من الخدمات الأساسية في بلاده بما في ذلك الكهرباء والهاتف والإنترنت.

الاحتشاد الضخم لفعالية ذكرى استقلال الجنوب عن بريطانيا لم يكن كافٍ لتحقيق الاستقلال أو أياً من المطالب الـ3 , التي رفعها , كذلك الحال لم تنتج قيادة جنوبية موحدة , فجميع الأهداف التي تم وضعها فشل الجنوبيون في تحقيقها , مما تسبب في إحباط لكثيرين , ورموا اللوم على القيادات الجنوبية التي اتهموها بالفشل الذريع في تحقيق الاستقلال رغم الالتفاف الشعبي حولها.

لم يعد أمام أبناء الدولة الجنوبية الآن إلا القبول بحل لا يزال الشماليون اليمنيون يرفضونه , هو الفيدرالية من إقليمين مزمنة تنتهي باستفتاء على بقاء الدولة اليمنية من إقليمين أو استقلال الجنوب , لكن هذا المشروع قوبل برفض واسع من قبل الكثير من ساسة الجنوب, لكن بعضهم برر ذلك بأن الفيدرالية قد تحفظ للجنوب جزء من حقوقه التي ينهبها الشمال بما في ذلك الثروات النفطية.

لكن الهرولة ناحية القبول بفيدرالية تواجه بالرفض من قبل الشماليين الذين يعدون الجنوب جزء من بلادهم , يضع قادة الجنوب في حيرة من أمرهم , فالقبول بالفيدرالية تعد خيانة لدماء الشهداء والجرحى الذين سقطوا على هدف هو التحرير والاستقلال واستعادة تراب دولتهم التي احتلتها (صنعاء) إثر حرب أشركت فيها صنعاء إلى جانب قواتها الرسمية مليشيات دينية وقبلية , وبمشاركة فاعلة من قادة قاعدة الجهاد في أفغانستان الذين عادوا إلى اليمن قبيل الحرب.

كان الجنوبيون قد وضعوا خطة عملوا لأشهر على دراستها والتحضير لها من قبل مجموعة من الأكاديميين والمثقفين والساسة البارزين , تكونت هذه الخطة أو الفكرة في عقد ( مؤتمر جنوبي جامع) لكل القوى والتيارات الجنوبية بهدف الخروج بقيادة موحدة تتخاطب مع دول الإقليم والعالم بشأن المطالب الجنوبية.

هذا المؤتمر الذي تم تأجيله أكثر من مرة بسبب موقف بعض القيادات المرتبطة بمشاريع أقل من مشروع الاستقلال وتعتقد أن المؤتمر الجنوبي الجامع قد يشكل قيادة جنوبية تستثنيهم وتجعلهم خارج حسابات المرحلة التي يتوقع أن ينتجها المؤتمر الجامع ,  البعض طرح شروط , تم قبولها من قبل اللجنة التحضيرية للمؤتمر , لكن سرعان من أعلن رفضه المشاركة.

صحيفة محلية تصدر من عدن شنت أعنف هجوم على المؤتمر الجامع وزعمت أنه قد تنصل عن مشروع التصالح والتسامح الجنوبي وكذا عن حق ذوي الشهداء والجرحى في مستقبل الدولة المنشودة , وهو ما أعدته اللجنة التحضيرية , هجوم غير مبرر ويدرج ضمن مخططات تلك الوسائل الساعية لفرض فيدرالية مع اليمن الشمالي.

قيادات أخرى مقربة من نائب رئيس دولة الوحدة ورئيس الدولة المعلن عنها في مايو 1994م , علي سالم البيض أعلنت رفضها للمؤتمر , بما في ذلك شيخ قبلي يدعى عبدالرب النقيب , حيث أعلنت تلك القيادات رفضها للمؤتمر وأوجدت الكثير من المبررات التي فندتها اللجنة التحضيرية للمؤتمر.

الشيخ عبدالرب النقيب مرجعية قبلية في يافع قال في بلاغ صحفي صادر عن مكتبه : “أن المؤتمر الجنوبي الجامع رفض القبول بمشروع التصالح والتسامح الجنوبي , وكذا رفض القبول بالسيد علي سالم البيض كرئيس شرعي للدولة المنشودة  , وهو ما دفع اللجنة التحضيرية للمؤتمر لتفنيد ما قاله النقيب مرة أخرى.

وطلبت اللجنة التحضيرية من النقيب أن يعدل في الوثائق التي أكدت على مبدأ التصالح والتسامح , وكذا على شرعية قرار فك الارتباط المعلن عنه من قبل الرئيس السابق علي سالم البيض , لكن النقيب اعتبر المؤتمر الجنوبي الجامع ليس (جامعاً).

قيادي آخر وسفير سابق , هو قاسم عسكر  يتحدث في حوار مع صحيفة محلية معلناً رفضه للمؤتمر الجنوبي الجامع , لكنه يقول بلغة الواثق من نفسه ” نعطيهم فسحة من الوقت لكي نرى ماذا سيقدمون ، ومع كل تلك المبادرات والمشاريع المطروحة طلبنا منهم ثلاثة خيارات (الوصول إلى مؤتمر ينتج عنه رؤية سياسية موحدة , إيجاد ائتلاف وطني لقيادة أو حكومة مؤقتة ومحددة )”.

ونفى عسكر وجود أي اتفاق أو قبول بالمشاركة في المؤتمر , قائلاً : ” ليس هناك أي اتفاق معلن مع المؤتمر الجامع ، ولكن نحن في حوار حالياً ولكن للأسف أنا أقول عليه بمؤتمر جامع للعراقيل والعقبات ، وقلت هذا عليه لأن له سنة ونصف لم يبلور مبادرة حقيقية ولم يعطوا فرصة للمبادرات الأخرى التي تملك هي أيضاً آليات ومشاريع ورؤى تختلف عنهم “.

لكن بالمقابل تلك المطالب أو الخيارات التي يتحدث عنها عسكري , هي مطالب المؤتمر الجنوبي الجامع نفسها  , فالمؤتمر وفق وثائقه يسعى لتشكيل قيادة جنوبية موحدة هدفها تحقيق الاستقلال.

لكن في الوقت ذاته لا تستبعد الكثير من القيادات العلاقة التي كانت تربط تيار الرئيس البيض بإيران أن تكون أسباب الرفض القبول بمؤتمر جنوبي جامع ينتج قيادة موحدة , هو اتفاقها تلك القيادات مع جماعة الحوثي في شمال اليمني- التي تسعى وفقا لمخطط إيران- للقبول بفيدرالية من إقليمين بحدود عام 1990م.

وقوبلت قضية رفض بعض القيادات للمؤتمر الجنوبي الجامع بانتقادات من بعض الساسة والكتاب  , حيث قال الكاتب محمد سالم بن ماضي في مقالة نشرتها صحيفة (عدن الغد) اليومية : ” مؤسف ما نشاهده هذه الأيام من تدافع للبيانات والتصريحات بين عدد من قيادات الحراك الجنوبي السلمي بقطاعاته المتنوعة المتفقة على هدف التحرير والاستقلال والمختلفة في تفاصيل حول مسألة مهمة هي الهوية الوطنية لدولتنا الجنوب الجديد المنشودة على حدود ما كان يعرف قبل ذوبان عام 1990م بـ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية, قضية الهوية تلك أثارتها وثيقة أسس ملامح دولة الجنوب المستقبلية وهي واحدة من أهم وثائق المؤتمر الجنوب الجامع للتحرير والاستقلال والتي نصت على أن تسمية الدولة المستقبلية للجنوب ستكون باسم دولة أو جمهورية : ( حضرموت العربية ) أو ( الجنوب العربي المتحدة ) وعاصمتها عدن , لأسباب موضوعية يراها صنّاع الوثيقة ولعدم تمكين عجلة التاريخ من إعادة نفسها وإنتاج  الخطأ ذاته عملت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي الجامع على تغييب خيارات اليمننة جنوبيها وديمقراطيتها التي كانت يوماً الخيار الثالث لمسألة هوية الدولة عندما طرحت في ستينيات القرن الماضي وكان السبب الذي ساقنا لكارثة الوحدة التي يتصدى لها شعبنا اليوم”.

وقال :” لعل المشكلة تتجلى بوضوح في خطاب الشيخ عبدالرب النقيب مؤخراً للمناضل حسن أحمد باعوم .. خطاب النقيب كان صريح البيان بأن هناك فريق يقف خلف النقيب لا يدعو لإضافة هوية اليمننة كخيار ثالث لخيارات هوية الجنوب الجديد المحتملة ( حضرموت والجنوب العربي ) وحسب .. بل أن هذا الفريق يؤكد أن تبني الهوية اليمنية شرطاً أساسياً لتمكين شعب الجنوب من نيل استقلاله ويرفض أن تكون أي من الهويتين الأخرى هوية سياسية للجنوب الجديد .. وبدونها- اليمننة – يرى أن قانونية قضيتنا المصيرية غير مكتملة ‍ الأركان !”.

وأكد الكاتب بن ماضي في مقالته ” كنت سأتفهم مطالب الشيخ النقيب لو أنه طالب بإضافة الهوية اليمنية التي يدعونا إليها إلى استفتاء مع الهويتين الأخرى لعلمي بأنها لن تحظى باهتمام الجنوبيين الذين اكتووا بنارها أولاً .. ولسد الذرائع ثانياً .. وحتى لا نشعل الحرائق حول المسائل الثانوية ونحن على مشارف المؤتمر الجنوبي الجامع للتحرير والاستقلال الذي نعول عليه أن يكون الخطوة العملية الأولى نحو الاستقلال الناجز والجنوب الجديد”.

وقال :” أما فرض الآراء والرؤى وتسطيح الشعوب واستغفال الناس لجرهم ثانية إلى باب اليمن .. فقد ولى زمانه إلى غير رجعة .. وشعب الجنوب لن يلدغ”.

المتحدث الرسمي باسم لجنة المؤتمر الجامع عبدالكريم السعدي يقول في هذا الصدد : “أن  وثائق المؤتمر الجنوبي الجامع لم تغفل ضمان حق المشاركة للمكونات وفق امتدادها الفعلي على الأرض في كل المناطق الجنوبية ووضعت معايير تمنح  حق الأفضلية في التمثيل للمكونات بحسب وجودها الفعلي على الأرض وامتدادها على تلك الأرض وهذا الأمر يدحض حجج البعض بأن المؤتمر الجنوبي جاء ليسيد بعض القوى والمكونات بعينها ويلغي الأخرى , فالتمثيل سيكون بالوجود على الأرض لكل مكون”.

أعلن عبدالملك الحوثي رفضه لمخرجات حوار صنعاء والتي أقرت تقسم اليمن إلى ستة أقاليم من بينها 2 في الجنوب و4 في الشمال , وهو ما يعزز فرضية قبول تيار البيض بخيار الإقليمين , خصوصاً أن هناك مساعٍ يقودها رئيس اليمن الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد بالتحالف مع الحوثيين للقبول بمشروع الفيدرالية , لكن بالمقابل يعلن تيار البيض رفضه القبول بالفيدرالية مع الشمال , لكن في الوقت ذاته لا يستبعد أن يقبل خصوصاً وأن الشعب في الجنوب وصل إلى مرحلة صعبة من الإحباط , وأصبح الكثير من الجنوبيين متذمرين من قيادات الحراك.

إيران حليف البيض وناصر وغيرهم من قيادات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تسعى للسيطرة على باب المندب , وترى أن إيجاد حليف لها في اليمن مهم وذلك من أجل السيطرة على باب المندب , وترى ـ حسب سياسيين ـ إلى فرض مشروع الفيدرالية من إقليمين لكي يسهل لها السيطرة على المضيق.

وتربط تيار البيض علاقة قوية بينه وبين جماعة الحوثي , حيث أن التيار الجنوبي له علاقة متينة بإيران وحزب الله اللبناني , الحليف القوي لإيران في دولة لبنان الشقيقة , حيث يوجد مكتب قناة عدن لايف التابعة للبيض وتياره , وتعتمد على الدعم الإيراني في بثها, في حين تبث أيضاً في الضاحية الجنوبية لبيروت قناة المسيرة التابعة للحوثي.

 ويعرف عن تيار البيض سقفه المرتفع في المطالبة بالاستقلال , لكن لا يستبعد أن يقبل بمشروع الفيدرالية في حال وجدت ضمانات دولية.

لكن جنوبيين يشككون في ذلك , باعتبار أن القبول بالفيدرالية وبضمانات دولية أمر مستحيل تحقيقه , معززين ذلك بتأكيد فشل مؤتمر حوار صنعاء الذي استمر لأكثر من عام , وأقر تقسيم اليمن إلى 6 إقليم  لم يتم تنفيذه حتى اليوم رغم مرور سنة كاملة على انتهاء جلساته.

 وأصبح الجنوبيون ـ اليوم ـ بين أمرين , الالتفاف والاتفاق نحو عقد مؤتمر جنوبي جامع يحقق تطلعات الشعب و رفض ذلك والعودة إلى صنعاء مرة أخرى ؟

 صحافي من جنوب اليمن – سكرتير يومية عدن الغد