fbpx
عدن.. من لهفة الوحدة إلى طلب الانفصال
شارك الخبر
عدن.. من لهفة الوحدة إلى طلب الانفصال

يافع نيوز – العرب

لم يعِ أنصار حزب الإصلاح الذين انبروا في الفترة الأخيرة يدافعون عن مصالحهم عبر تشويه الدور الإماراتي الإنساني في اليمن أن الأوضاع تغيرت كثيرا وأن لغة نظرية المؤامرات لم تعد تجدي نفعا عندما تصبح الحقيقة بائنة، ولم يفلحوا في حجة تسميم للأجواء باليمن الجنوبي فيما أهالي سقطرى يلمسون عن قرب نتائج الخارطة التنموية الشاملة التي تنفذها الإمارات في المحافظة اليمنية، التي تعاني من ويلات الحرب الدائرة ضد الانقلابيين ومن ويلات الطبيعة وإعصاراتها.

 

نزل البريطانيون على ساحل عدن، حيث قلعة صيرة، التي ظلت قائمة فوق الجبل الأجرد، عام 1839، وكان قبل ذلك يتناوب عليها حكام خاضعون للعثمانيين تارة وللإمامة في صنعاء تارة أخرى، واستمر البريطانيون يحكمون عدن حتى نوفمبر 1967، فبعد ثورة صنعاء (1962) استطاعت مصر الناصرية جذب الشباب اليمني، شمالا وجنوبا، فتشكلت الجبهات المقاومة، حتى صفى بعضها البعض لتبقى الجبهة القومية منفردة وتتسلم الحكم من البريطانيين، ولم يبق الحال على ما هو عليه، فقد خلقت السلطة، وكثرة التيارات السياسية في المنطقة، انشقاقات عميقة، فما أن مرت سنتان على فرحة الاستقلال حتى قام المنتمون إلى حركة القوميين العرب بانقلابهم في يونيو 1969، وظل يُحتفل بيوم الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر مسبوقاً بالثاني والعشرين من يونيو، وقد أطلق عليه اسم “الخطوة التصحيحية”.

يومها تبنت الجبهة القومية الفكر الماركسي، وضمت إليها الشيوعيين والبعثيين وشخصيات محسوبة على اليسار، فتشكل ما عُرف بالتنظيم الموحد للجبهة القومية، والذي سينبثق عنه الحزب الطليعي، حسب تسمية الساعين لانبثاقه بعنوان “الحزب الاشتراكي اليمني”(أكتوبر 1978). قبل ذلك كانت القيادة ثلاثية، من عبدالفتاح إسماعيل أمين عام الجبهة، الذي قُتل في يناير 1986، وعلي سالم ربيع رئيس هيئة الرئاسة، الذي قُتل في نزاع داخلي، وعلي ناصر محمد رئيس الوزراء، لكن لم يستقر الحال فالرفاق ظلوا ينشطرون ويتصادمون، فما أن قُتل ربيع إثر قتل الرئيس اليمني الشمالي إبراهيم الحمدي، ثم الرئيس الغشمي، نُحي عبدالفتاح إسماعيل بعد مرور سنتين، واستمر الانشقاق حتى انفجر الموقف الشديد داخل المؤسسة العسكرية والحزب الاشتراكي اليمني في صبيحة 13 يناير 1986، فصارت عدن تحت مرامي نيران صنعاء، السياسية والعسكرية، ومع سقوط البلدان الاشتراكية الحامية والداعمة لها، دخلت الوحدة بيسر وبإصرار تاريخي منها.

 

ا بين لهفة التوحيد وطلب الانفصال خرج الحراك الجنوبي جاءت محاولة التوحيد القسري بجحافل الحوثيين وعساكر صالح
كيف حصل ذلك

كانت ثورة 14 أكتوبر 1963 التي قامت ضد بريطانيا، بأثر ثورة 26 سبتمبر 1962 مزيجا من جنوبيين وشماليين. وخلال حرب السبعين كان أبناء المناطق الجنوبية في العمق الشمالي، يُقاتلون مع الجيش المصري ضد الملكيين. ومن هنا تأسس التنظيم الذي سيطر على عدن من أبناء الشمال وأبناء الجنوب. وانتقل هذا الوضع إلى الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم في عدن. وكان شعار الوحدة أول الشعارات الثورية. كانت اجتماعات المكتب السياسي تعرض على شاشة التلفزيون وفي الإعلام، من دون ذكر أسماء الشماليين، فتنظيم الحزب الماركسي كان واحدا بين الحزب الاشتراكي اليمني والجبهة المقاتلة في الشمال.

استطاع الإعلام الحزبي والحكومي في الجمهورية أن يُهيئ الجنوبيين للوحدة مع الشمال، على أن اليمن دولة واحدة، والمستعمر مزقها، مع أن التاريخ يتحدث عن أجناد ومخاليف، حسب مصطلحات ذلك الزمان. وأن اليمن كيان جغرافي تخللته كيانات سياسية عديدة في آن واحد.

كانت اليمن الجنوبية أو الديمقراطية تألفت من ثلاث وعشرين سلطنة، تتبع محمية عدن، حيث الحاكم البريطاني، وقد تم التوحيد بقوة الثورة، وأُلغيت السلطنات، وظهرت إثرها ست محافظات: عدن وهي العاصمة، ولحج وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة، وكان الجنوبيون يتندرون بقولهم “المحافظات سبع” على أن السجن هو المحافظة السابعة.

بهذه الروح كان الحزب الاشتراكي اليمني ينظر إلى قيام الوحدة، واختلف القادة في الرؤى، منهم مَن كان يعتبر التجربة الفيتنامية جديرة بالاحتذاء، وعلى وجه الخصوص أن فيتنام توحدت في 1975، العام الذي تشكل فيه التنظيم الموحد للجبهة القومية، والذي عنه انبثق الحزب الاشتراكي اليمني، وقيل كان وزير الدفاع علي عنتر يمثل هذا الاتجاه، مع اشتراكيين شماليين في الحزب، وكانت وجهة نظر أخرى تقول أن الوحدة ستتم بالتفاوض والتنازل، على أنها حقيقة تاريخية.

كان طُلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، يرددون صباحا في الطابور المدرسي الشعار الآتي: تحيا جمهورية اليمن الديمقراطية، يحيا الحزب الاشتراكي اليمني، تحيا الوحدة اليمنية. وتضاف إلى ذلك الأغاني الوحدوية الثورية، التي كانت تُبث صباحا ومساء عبر التلفزيون والإذاعة، بل كانت أخطر تهمة توجه إلى الشخص هي “الانفصال”، فالانفصالي يُعد شخصا منبوذا.

كانت اليمن الديمقراطية قد احتفظت بنظام بريطانيا الإداري وكذلك احتفظت بالانفتاح الاجتماعي، وزيادة على ذلك تحققت إنجازات للمرأة، في قانون الأحوال الشخصية، الذي لا يُجيز الزواج بأكثر من امرأة، وكذلك في المساواة التامة بين الجنسين. وترى السوق غير مضطربة، والأسعار تكاد تكون ثابتة، وكان دعم الدولة مستمرا، يُضاف إلى مستوى التعليم الجيد، والعناية الطبية. بمعنى أن هناك دولة واضحة المعالم، مختلفة تماما عن الشمال.

عدن تمتلك ساحلا جميلا، كان يمكن أن يستثمر في السياحة، فهي من أحسن المشاتي، حيث يكون الطقس مثاليا من أكتوبر وحتى نهاية مارس

الاستفاقة من الحلم

كان عدد سكان الجنوب نحو مليوني ونصف المليون يعيشون على مساحة أكثر من ضعف مساحة الشمال (الجمهورية العربية اليمنية)، بينما كان عدد سكان الشمال نحو تسعة ملايين، وتسودهم التقاليد القبلية والدينية، وذلك بسيطرة الإخوان المسلمين ومشائخ الزيدية، وهذا ما لا يوجد في الجنوب.

لذلك ما إن أُعلنت الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990، حتى أفاق الجنوبيون من الحلم أو الوهم، فمباشرة سادت تقاليد الشمال، وانطلق الشماليون يتوسعون في شواطئ عدن، وصار الموظف الجنوبي منتظرا ما يُسمى بالتعزيز من صنعاء كي يستلم راتبه لأسابيع وإذا بعدن تتحول إلى قرية مهملة، تنقصها الخدمات، وسقط سعر الدينار، ليسود الريال الشمالي.

وبهذا وجد المسؤولون أنفسهم في ورطة، وقد نقلوا أقوى معسكراتهم واستقبلوا أقوى معسكرات الشمال، وهذا ما كان كارثة على عدن في حرب صيف 1994.

عدن تمتلك ساحلا جميلا، كان يمكن أن يستثمر في السياحة، فهي من أحسن المشاتي، حيث يكون الطقس مثاليا من أكتوبر وحتى نهاية مارس، ولديها ثروة سمكية هائلة ناهيك عن الثروات التي اكتشفت في باطن أرض المحافظات الجنوبية.

وبعيدا في البحر تجد جزيرة سقطرى، التي مازالت تحتفظ بلغتها القديمة، وتمتاز بوجود شجرة اللبان، أو ما يُعرف بدم الأخوين، وفيها سواحل يمكن استثمارها للسياحة أيضا. لكن هذه الجزيرة، التي يُقال إن الإسكندر المقدوني نزلها، تنقطع عن العالم الخارجي في مواسم الرياح، فلا تصلها طائرة ولا سفينة، ويعتكف سكانها في هذا الموسم، فالدولة لو اعتنت بسكانها من ناحية الطب والخدمات، لكانت أهم جزيرة بين الجزر اليمنية، لكن مواسم الرياح ظلت تفوق قدرة الدولة.

لقد دخلت الثورية على المناطق اليمنية، خارج عدن، بفوقية، فالناس لا في سقطرى ولا في لودر ومودية ولا يافع ولا الضالع، كانوا بمستوى مطامح الاشتراكيين.

لذا توزعت الماركسية على القبائل، يهتفون لها ويعقلون صور زعمائها التاريخيين، من دون أن يميزوا بين رأس المال وفائض القيمة، بل لا توجد من الأساس الطبقة الاجتماعية الذي يعتمد عليها الشعار المطروح “دكتاتورية البروليتارية”، هذا وأحرقت المراحل، حتى سقطت عدن في فخ الوحدة، ولم تخرج منه، حتى تحولت تلك اللهفة الثورية إلى الرجاء بانفصال مسالم مثلما تحققت الوحدة بسلام، مع ما كان يشوبه من التوتر العسكري بين البلدين.

أسمع علي عبدالله صالح المسؤولين الجنوبيين لحنا أطربهم، وهو أنه محرج مع خصومهم التاريخيين (الإخوان المسلمين)، فكانوا يتظاهرون ضد إجراءات التوحيد فابتلعوا الطعم، وأجهز عليهم، فما هي إلا أسابيع حتى أنكر عبدالله صالح ما اتفق عليه من شراكة ولم يعد معترفا به، فدمجت الميزانية وسُلمت دولة على صحن من ذهب، وما بين لهفة التوحيد وطلب الانفصال خرج الحراك الجنوبي، وجاءت محاولة التوحيد القسري بجحافل الحوثيين وعساكر علي عبدالله صالح.

 

أخبار ذات صله