fbpx
عندما تحول قارب النجاة لقارب موت!!
شارك الخبر

يافع نيوز – كتبت: مريم محمد:

عامان يمران على المأساة بل الجريمة الشنعاء التي ذَبحت بها القوات الغازية مدينة التواهي لتفتح بيوت العزاء في كل عدن!
السادس من مايو الأليم، ذلك اليوم الذي أُلجمت فيه أمواج البحر بعد أن اخترقتها طعنات قذائف العدوان وصُبغت بلون الدماء التي نزفت من أشلاء الشهداء الذين قضوا فيها!

بوابة حديدية صغيرة قد تآكل بعض منها بسبب الصدأ وجسرٌ ضيقٌ دون حواجز ، ومنازل قد خلت من سكانها وفنار يقفُ هناك بعنفوان كعنفوان شباب هذه المدينة المقاومين كانوا هم الشهود الوحيدين على هذه المجزرة !

على الجسر الصغير كان الآلاف يتزاحمون من أجل النجاة بأرواحهم .. كنتُ أنا من بينهم قد حملتُ حقيبتي وبها اغراضي المهمة ، لم أكن أرى بوضوح فدموعي الغزيرة التي كانت تفيض من عيناي قد عمتني بعد أن خرجتُ من دياري مغصوبة تاركةً خلفي أسرتي … جدتي التي كانت لاتأكل ولاتشرب ولاتنام من القصف والخوف، وأبي الذي كان خائفاً جداً علينا بعد مغادرة جيراننا للمدينة، وأمي التي احتضنتها وأنا أودعها عند باب منزلنا وأبكي بحرقة لأني سأخرج وأتركهم ورائي ولا أدري كم من الزمن سأكون بعيدة عنهم أنا التي لم أتعود على فراقهم أبداً! كانت أمي تودعنا متظاهرةً بالقوة كما عهدتها وأنا أقرأ بعينيها بركان يتفجر من القهر..

اصطحبنا والدي للرصيف بإنتظار القارب لينجو بنا بعد أن أوشكت مدينتنا على السقوط.. في ذلك الجسر الضيق كنتُ أنظر في وجوه البائسين حولي من أجبرتهم الحرب على الهرب وترك منازلهم خلفهم، لم أكن الوحيدة التي لم تتمالك نفسها من البكاء ، كان الكل حولي حزينون، باكون، توشك أرواحهم على الانتحار من هول ماعانوا من قصف وحصار.. هناك كانت تجلس معاقة على كرسيها المتحرك ، وأخرى سقطت مغمية عليها.. هنا شيخٌ كبير لايقوى على المشي قد افترش الأرض في إزدحام فاق الوصف ، كلهم بإنتظار قارب النجاة !

أتى القارب الأول وتزاحم الجميع على صعوده، كان الأمر صعباً للغاية لأنني لم أكن أستطع التحرك وسط ذلك الزحام، أخذ أبي بيدي حتى وصلنا إلى القارب وبمساعدة أحد المنقذين تمكنت من صعوده .. كانت عينا أبي قد غرقت بالدمع وهو يودعنا راحلاً من المكان حاملاً هم قد أثقل كاهله ولايعلم إن كانت هذه الخطوة التي قام بها بإخراجنا من المدينة صحيحة أم كانت ستكون أكبر غلطة في حياته لمعارضتنا لها..

تحرك القارب بإتجاه البريقا وفي طريق رحلة النجاة بنا سقطت مدينة التواهي واستشهد القائد علي ناصر هادي ، ودخلت القوات الحوثية للمدينة تحتفل وتقصف رصيف الموانئ ومناطق متفرقة، كانت المدينة تهتز من أصوات القذائف التي وزعت الموت في كل مكان.. لكن رصيف الموانئ وقارب النجاة كانا قد نالا النصيب الأكبر من الموت ففيهما تتطايرت الأشلاء وارتدت المنطقة الرداء الأحمر وتعطرت بروائح دماء الشهداء الزكية.. كان المشهد غاية في الرعب لمن عاشوه ، الكل يهرب من الموت ليموتوا بالقذائف أو بالتهاوي للبحر جراء التزاحم أو بالدوس بأقدام الهاربين!

لا شيء يشبه سواد ذلك اليوم إلا سواد قلوب المعتدين الذين أجرموا بحق الإنسانية في الجنوب ، ليأتي اليوم هادي ومن معه من شلة “الشرعية” الغير شرعية وتريد إعادة الاحتلال لعدن بأسماء وصفات مختلفة بعد أن طردتهم عدن ومرغت أنوفهم بالتراب ..

عذراً هادي إن كنت لم تعش هذه التفاصيل المريرة فقد عشتها أنا وتجرعت مرارتها، وقاومنا حتى انتصرنا واليوم الكلمة لنا، ولا شرعية غير شرعيتنا نحن الشعب العظيم ومقاومتنا الباسلة التي ردت لنا الصاع صاعين من المحتلين وانتزعت لنا كرامتنا وحريتنا ، عذراً فنحن لم ولن ننسى هذه الجرائم الوحشية!!

أخبار ذات صله