fbpx
لا يزال الحراك اشتراكياً

يسير الجنوب صوب تكرار تجربته السابقة قبل التوحد مع شمال اليمن، وتجر القوى المتصارعة على الحكم الشارع الجنوبي للمجهول، ورغم تعدد الطرق واختلافها عن سابقاتها، إلاّ أن هناك محاولات كبيرة لجر الحراك لمربع صراعات الماضي.

القيادات الجنوبية التاريخية القادمة بعقليات الماضي تعود للجنوب من بوابة الحراك وتنتحل صفة القيادة، في ظل صمت وتخوف من الشارع الذي يبدو أنه ذاهب لتقاسم إرث لم يكن سبباً في صناعته وقد يدفع هذا الشارع المزيد من التضحيات نتيجة صراعات قديمة تؤرق الذاكرة الجنوبية برمتها.

على مبدأ التصالح والتسامح ولد الحراك في الجنوب متجاوزاً صفحات الماضي، وصوب المستقبل حدد الحراك أهدافه ويناضل من أجلها منذ سنوات، صفحة جديدة عنوانها تسامح الماضي من أجل المستقبل، ولهذا فتحت صفحة جديدة من أجل الجنوب واستعادة تاريخه ومجده الذي أطاح به نظام صنعاء مستغلاً نفس الخلافات السابقة التي حدثت في الجنوب في حقبة الثمانينات للقضاء عليه في صيف 94 وحتى الآن .

يجد الحراك نفسه الآن في مأزق حقيقي قد يتوسع مستقبلاً إذا أصرت القوى التقليدية استمرارها في العبث بحاضر ومستقبل الشارع الجنوبي، وإذا ما سار الحراك دون الانتباه من قبل كوادر ومثقفي الجنوب فأن الماضي سيكرر نفسه بسيناريوهات قد تمزقنا أكثر من أي وقتٍ مضى .

تقف صنعاء منذ زمن وحتى اللحظة وراء افتعال مشاكل وصراعات داخل جسد الجنوب وثورته لتضمن عدم تحقيق الحراك لأي نتائج خلال فترة نضاله الطويلة صوب استعادة حريته وكرامته، ويدفعه باتجاه استعادة ماضيه الدموي وتاريخه المليئ بالصراعات والأحداث، والجنوب وحراكه يرفض حتى الآن الاستفادة من كل هذا ويجنب نفسه الوقوع في الكارثة مرة ثانية.

ما يزال الجنوب اشتراكياً قديماً ويؤمن حد الكفر بالتنوع والقبول بالأخر، ويظهر ذلك من خلال دفع الجماهير لرفض أي مشاريع أخرى تقودها قوى جنوبية ترى أن نيل “الاستقلال” دفعة واحدة مستحيلة وتتخذ من نضالاتها مشروعاً آخر “كالفيدرالية”، ومهما كان غير مقبول لدى الشارع الجنوبي فلا يجب أن يتطور حتى يأخذ أشكالاً أخرى مثل العنف والتحريض ضد من يقود هذا المشروع أو سواه.

في الوقت الذي يقول الشارع الجنوبي إنه لن يقبل أن تكون دولته القادمة تحمل نفس الماضي، يجد نفسه ممارساً لعقلية الرأي الواحد والحزب الواحد، ويمارس طقوس رفض الآخر بكل قوة وبشعارات ثورية تجد رواجاً لدى العامة وإن كانت نابعة من حرص على الحراك وأهدافه ، لكنها من جهة أخرى تجرنا للمزيد من العنف .

لن يضير الشارع الجنوبي الذي اختار “تقرير مصيره واستعادة دولته ” ان تنشأ قوى أخرى تطرح مشروعاً آخر ، وما قد يعيدنا لمربع الماضي هو رفض الآخر، وطالما أن القاعدة الجماهيرية للحراك تسير بخط واحد فإنها لن تخسر شيئاً من ظهور مشاريع لا تحظى بقبول لدى الجنوبيين.
على قيادات الماضي أن تترك لنا المستقبل، وتبتعد عن المناكفات والصراعات التي تعيق تقدمنا، ويجب على قيادات الحراك العقلانية أن تنتبه من خوض نزاعات تلهيها عن تحقيق الهدف الذي من أجله ضحى الآلاف من الشهداء والجرحى والمخفيين قسراً بحياتهم، وخلف السجون يقضي المئات من أبناء الجنوب أيامهم أملاً منهم لاستعادة دولة ووطن يتسع للجميع وليس لاستعادة إرث تاريخي يمزقنا من جديد.