fbpx
الشيطان الجنوبي

 

بقلب دام يؤسفني القول إن لدينا نحن أبناء الجنوب رغبة عجيبة ودافع غريب للبحث عن  نقاط  الخلاف والاختلاف فيما بيننا وتضخيمها مهما كانت ضئيلة وهينة ،في حين نتجاهل نقاط التوافق والالتقاء وان كانت بحكم الواقع كبيرة ومتعددة  وتمثل القاسم المشترك الذي يوحد القلوب واليه تهفو الأفئدة.

 مما يميزنا  نحن الجنوبيون  قابلية هائلة للصراخ ..للانفجار في وجوه بعضنا كقابلية الغاز للاشتعال إذا ماجاورته النار ، حين يخاصم الجنوبي أخاه فمن سماته إن يضخم عيوب من خاصمه  منذ الوهلة الأولى للخلاف معه وان كان قد ستر  عيوبه هذه  لسنوات طويلة حين كان الحب يجمعهم  بحسب قول الشاعر .

وأما أسوأ ما فينا  فهو إننا حين نختلف لا ندع مجالا لإصلاح ذات البين فيما بيننا والعودة إلى مربعنا الأول إلا بشق الأنفس هذا إن عدنا .

 سياسيا وعبر تأريخنا  الممتد لعقود عديدة  كانت خلافات قادتنا تعود في أصلها لأسباب هينة  بل وصبيانية مردها  للأسف وفي أحيان كثيرة إلى  العناد ومنذ الأحداث التي تلت الاستقلال عن بريطانيا و حتى أحداث يناير86  وصولا إلى حرب 94 الظالمة خسر الجنوبيون الكثير من الرجال ومن القادة  وعانى شعبنا الشتات والتشرذم والأسباب في  كل هذا ليست أكثر من رغبة في العناد والمناكفة مع إضافة بهارات الفتنة  التي مارسها بعض الرفاق لشق الصف الجنوبي تحقيقا للقصة الشهيرة التي حرض فيها الأسد الثور الأحمر لمساعدته على أكل الثور الأبيض ومن ثم أكل الثور الأسود قبل إن ينفرد الأسد بالثور الأحمر الذي أدرك حجم خطأه الفادح مؤخرا  في تآمره على أخويه فقال قولته الشهيرة: إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

لم يختلف قادتنا منذ الاستقلال إلى اليوم  وهذا ما يدركه الجميع على  نهب المال العام أو توزيع ثروات البلاد فيما بينهم كما لم يختلفوا على الأموال والقصور أو على فساد كبير فقاد عاشوا وماتوا فقراء كبقية أهلهم وناسهم وإنما اختلفوا على سفاسف وعناد ويكفي إن الرفاق الذين قتلوا الزعيم الخالد سالمين مالبثوا إن تباكوا  عليه بعد شهر من استشهاده وفق ما حدثني به  مقرب من القيادة السياسية حينها وقالوا وهم يلطمون الخدود :لقد دخل الشيطان فيما بيننا فقتلنا أخانا  وأطيبنا وهذا مجرد نموذج .

وحتى القرارات المصيرية كانت ترهن أحيانا بهذا الدافع المقيت مثل قرار إعلان  الوحدة الذي يرى البعض إن الدافع الجنوبي في الأساس لدخولها بتلك الطريقة الانتحارية  كان من منطلق العناد بين أطراف الحكم  طبعا دون تجاهل الدافع الوطني والشعور التواق للوحدة حينها ،وبدلا من إن تساعد الوحدة في إعادة لم شمل الجنوبيين  من زمرة وطغمة حينها كانت شروط الجنوبيين القادمين من عدن إلى صنعاء هي خروج إخوتهم الذين سبقوهم إليها.

إما أبشع أوجه العناد الجنوبي فتجلت بأسوأ صورها  في حرب 94 م  حينما قاد الجنوبيون المقيمون في صنعاء حربهم الانتقامية ضد إخوانهم وحتى ضد أهلهم أنفسهم ولمجرد العناد أيضا حالوا دون تسوية أوضاع إخوتهم بعد الحرب بل كانوا المصرين على تهميشهم وعدم إنصافهم .

 إلى اللحظة لم يغادر الجنوبيون  مربع العناد والخصام فيما بينهم  وحتى بعد إن وحد الحراك إلى مستوى كبير الشارع  الجنوبي خاصة بعد إعلان مبدأ التصالح والتسامح  ظل القادة أسيري رغبتهم في انتهاج أسلوب العناد إذ لازلنا نلحظ انه ولمجرد إن يتبنى هذا توجها يتبنى الآخر توجه مغاير  وكأنهم في مسلسل درامي هزيل السيناريو والإخراج .

في الشارع الجنوبي تعمل اليوم اطر وكيانات جنوبية عديدة منضوية في إطار الحراك الجنوبي السلمي ولكل مكون من هذه المكونات نظرته التي تلتقي مع  المكونات الأخرى في الهدف والغاية وان اختلف معها في الوسائل والطرق للوصول إلى الهدف المنشود إي إن جميعها مكونات جنوبية مخلصة للقضية وتعلن هذا كل يوم  ومع ذلك نسمع بقوة من يخون هذا ويشكك في نوايا ذاك وكأن كل واحد فينا يرى انه وحده  الجنوبي ووحده الصواب وغيره مخطئون .

في المقابل هناك من يعمد إلى السير عكس إرادة الناس ليس لأنه يعاديهم وإنما لرغبة منه في  إن  يحد من نفوذ هذا أو لتشويه صورته دون  مبرر سوى استجرار ماض اسود دفع الناس ثمنه غاليا ويحلمون بنسيانه وطي صفحته.    

إن وطنا مدمرا محطما تحيط به المؤامرات ويتربص به الخصوم من كل اتجاه لن يبنى  بالعناد الذي لا يرتقي إلى مكانة  المناضلين والقادة الجنوبيين وتأريخهم .

وكذلك فأن الوعي الشعبي إذا ظل متجاوبا ومتأثرا بهذا الحال ومنجذبا إلى عبارات التخوين والتشكيك بالآخرين وانتمائهم لوطنهم فان كل ذلك يمثل نذير سوء وعلامة شؤم وإذا ما عددنا كم من القيادات البارزة في الداخل والخارج  وكذا السياسيين والإعلاميين التي نالها نصيبها من التخوين وخيانة القضية فإن حسبة سريعة توصلنا إلى نتيجة  مخيفة مفادها إننا جميعا وفي القريب العاجل سنكون مشاريع خونة.