fbpx
كتاب «عودة التاريخ ونهاية الأحلام» : أميركا تنجح دولياً تحت قيادة رؤساء لا يحبهم أحد
شارك الخبر
 

يركز الكتاب على حقيقة فوز الولايات المتحدة في الحرب الباردة، وقد كان موضوعياً فوزاً نسبياً أو انتصارا بمنطق المخالفة، بمعنى أن المنافس السوفييتي خلال الحرب المذكورة التي دارت رحاها بين عامي 1945 و 1990 انقض بنيانه وزال من الوجود تاركاً العالم بصورة أو بأخرى وقد احتوى على قطب واحد هو الولايات المتحدة.

ويرى المؤلف أن دور أميركا، بوصفها القطب الواحد، قد أفضى إلى توسيع دائرة الديمقراطية وتشجيع حرية التجارة وإزالة خطر الحروب الكبرى أو الصراعات العالمية الكوكبية.

ورغم ما قد تنطوي عليه مثل هذه المقولات من وجاهة، إلا أن الكتاب يتجاهل أن الفترة نفسها التي تُركز عليها طروحاته جمعت بين إيجابيات وسلبيات، حيث أن ثمة إيجابيات أنجزتها أميركا سواء من خلال ما يمكن وصفه بأنه ثورة الاتصالات بالأقمار الاصطناعية ، فضلاً عن إيجابيات أخرى تجسدت فيما يمكن وصفه كذلك بأنه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تمثلت بدورها في ثورة الحواسيب ودخول العالم منذ أواخر القرن العشرين في عصر الإنترنت وثورة المعلومات اللحظية الكوكبية.

أما في جانب السلبيات فلا يمكن التغاضي عما اقترفته أميركا من غزو للعراق وأفغانستان تحت شعار الحرب على الإرهاب، أو إزالة أسلحة الدمار الشامل التي ثبت عدم وجودها من الأساس. على أن الكتاب يركز من ناحية أخرى على أهمية مواصلة وتعميق مسيرة التحولات الديمقراطية في أنحاء شتى من العالم ، باعتبار ذلك سياجاً يحول بين شعوب هذا العالم وبين الخضوع لسيطرة النظم الديكتاتورية أو تبديد مواردها المادية والبشرية في صراعات داخلية بعيداً عن التركيز على خطط التنمية الاقتصادية- الاجتماعية لصالح شعوبها.

يأتي هذا الكتاب بمثابة حلقة متفرّدة ضمن السلسلة الفكرية والبحثية المستجدة كما نتصور- على عالم الدراسات الأكاديمية التي تجمع بين عنصري تدارس الحاضر واستشراف المستقبل.

تتميز هذه الحلقة الجديدة بأنها تنطلق من التركيز على عنصر «المكان» بعد طول تركيز على عنصر «الزمان»: فلقد درج الباحثون المؤرخون بالذات على تركيز جهودهم ودراساتهم كي تنصبّ على البُعد التاريخي للتطورات السياسية التي تطرأ على كيانات الدول وعلى حياة الشعوب.

صحيح أن من الدارسين والمؤرخين من عَمَد إلى توجيه اهتمامه إلى «الناس» قبل «الحكام»، وإلى هموم الشارع قبل كرسي السلطة، ولكن الجميع اتفق على التماس الحقيقة من تطور التاريخ ومحاولة استظهار واستيعاب دروسه المستفادة، يستوي في ذلك بحوثهم عن تاريخ صعود وسقوط الإمبراطوريات (المؤرخ البريطاني غيبون نموذجاً) أو على تحولات الإنسان من حياة البداوة إلى حياة الحَضَر حيث الإنسان مدنّي بالطبع .

لكن المرحلة الراهنة بدأت تشهد، كما ألمحنا- تحولاً إلى حيث التركيز على عنصر «الجغرافيا» ولو على حساب عنصر «التاريخ»، وصحيح أن كان الزعيم الفرنسي «شارل ديغول» يدعو دوماً إلى أن يبدأ الباحث الجاد بوضع خارطة جغرافية أمامه ، قبل أن يشرع في دراسة أحوال هذا القطر أو ذاك الشعب أو تلك الظاهرة السياسية وما في حكمها، وبمعني أن ثمة بعداً جغرافياً كي لا نقول حتمية جغرافية- هو الذي يؤثر بالدرجة الأولى على مسارات الأحداث ومصائرها، وصحيح أن العلّامة المصري العربي «جمال حمدان» عَمَد إلى صياغة هذا المبدأ .

فجاء تركيزه على ما وصفه في دراساته الموسوعية بأنه عنصرا «الموقع والموضع» إلا أن ثمة كتاباً صدر في أميركا مع خريف عام 2012 الماضي (وقدمت «البيان» عرضاً تحليلياً له) واختار له مؤلفه الكاتب السياسي الأميركي الشهير «روبرت كابلان» عنواناً يدل بوضوح على ما ألمحنا إليه في السطور السالفة، والعنوان يقول ما يلي: انتقام الجغرافيا.

وبمعنى أن قد آن الأوان لإيفاء محور الجغرافيا، وهو المرادف لعنصر «المكان» ما فاته في أعمال الدارسين والباحثين من حقوق الدرس والتعمق والاهتمام.

بين السلب والإيجاب

من هنا نستطيع أن نفهم المنطلق الرئيسي الذي يصدر عنه الكتاب الذي نعرض له في هذه السطور، حيث يبدأ المؤلف، وهو المفكر السياسي الأميركي «روبرت كاجان»، بإيضاح ما تتفرد به الولايات المتحدة من «موقع» يجمع في تصوره بين الإيجاب والسلب في آن معاً.

الولايات المتحدة تقع بداهة في أقصي غرب الكرة الأرضية. وهي في التحليل الأخير رقعة برية شاسعة من هذه البسيطة، ولكنها محمية من الشرق بالمحيط الأطلسي ومحمية من الغرب بالمحيط الهادئ، وهو ما يجعلها بصورة أو بأخرى عصّية على الاختراق والغزو والتعرض من ثم لدمار الحرب، على نحو ما تجلي بوضوح مريع في ويلات الحربين العالميتين اللتين عاناهما العالم بحلول عامي 1914 و1939 من أيام القرن العشرين.

لكن هناك أيضاً مشكلة العزلة التي جعلت الولايات المتحدة وهي في موقعها القصّي غرب الأطلسي بعيدة على مدار سنوات تصل حتى إلى القرن العشرين عما كان يجري على صعيد الكرة الأرضية من تفاعلات وقضايا ومشكلات وإنجازات.

والمهم أن الولايات المتحدة ظلت برأي مؤلف كتابنا- تتمتع استراتيجيا بموقع ينأى بها عن المواقع الساخنة أحياناً الملتهبة بل والمشتعلة عبر الكرة الأرضية.

وإذا أضفنا إلى هذا ما تركز عليه الفصول الاستهلالية من هذا الكتاب بشأن الموارد الثرية من حيث الغزارة والتنوع، على نحو ما تتمتع به أميركا، فالمعني أن الدولة المذكورة يصبح أمامها إمكانات يُعتد بها من حيث الإضافة إلى القدرة والمنعة وفعالية، بل محورية التأثير، في تطورات ومآلات الأحداث على مستوي العالم الذي نعيش فيه.

وعلى الرغم من أن المؤلف لا زال يصنّف بوصفه واحداً من قيادات فصيل «المحافظين الجدد» في مضمار السياسة الأميركية إن لم يكن واحداً من صقور هذا التيار الذي ارتفع شأوه خلال حقبتي الولاية الرئاسية «جورج بوش الإبن» عبر السنوات الثماني الأولى من القرن الحادي والعشرين- إلا أن مؤلفنا يُحمد له في فصول هذا الكتاب أنه يذهب إلى أن حقبة الغزو الإقليمي على نحو ما شهدته في السابق عصور الاستعمار القديم قد انتهت، وبمعنى أن لم يظل من المقبول في زماننا الراهن أن نشهد الجحافل الإمبريالية وهي تُغير زحفاً أو جواً أو بحرا على تخوم وأصقاع بلد صغير في أدغال آسيا أو على وطن يعيش على الطوي في غابات أفريقيا أو في تخوم أميركا اللاتينية.

عصر التنوير الجديد

وربما يبادر المؤلف كي يوضح أن المسألة ليست تطوراً في منظومة الأخلاق أو في ارتفاع صوت الضمير: إن العالم الذي صنعته أميركا «على نحو ما يقول عنوان هذا الكتاب»، هو في جوهره العالم الرَقَمي (ديجيتال) بمعنى عالم الأقمار الاصطناعية التي تدور رسائلها الإعلامية مرات عدة في كل لحظة عبر الكرة الأرضية التي نعيش على سطحها، وهو عالم الآي تي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السوبر- متقدمة، ومن ثم فهو يكاد يشابه- من حيث الجوهر أو المنطلق الأساسي- ذلك العالم المتحول في الأزمنة الغابرة- وفي أوروبا بالذات- من غيبوبة وتخلّف القرون الوسطى إلى إشراقات عصر النهضة أو التجديد والانبعاث الذي جاء مع القرنين الخامس عشر والسادس عشر مبشراً بعصر جديد مازال يحمل العنوان التالي: عصر التنوير.

هنالك يستخدم مؤلفنا وهو بحكم التعلم والتربية مؤرخ بالأساس- وصفاً لتحولات عصرنا الراهن تلخصه العبارة التالية: عصر التنوير الجديد.

ومن هذا المنظور، وعلى خلاف رؤى «المحافظين الجدد» في أميركا، يتعامل المؤلف مع ما آلت إليه أحوال عالمنا بمنطق أقرب إلى التفاؤل المحسوب، وهو يبني هذا التفاؤل أساساً على مقولة أن العالم سادته فترة من السلام، النسبي كما يصفه كتابنا، بمعنى أن لم يندلع خلالها لهيب صراع كوكبي (غلوبالي) أو نيران حرب عالمية خلال فترة ربع القرن التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة التي ظلت متقدة كما هو معروف بين قطبي الشرق (السوفييتي- الشيوعي) والغرب (الأورو- أميركي- الرأسمالي) على مدار سنوات نصف القرن الفاصلة بين منتصف الأربعينات وسنوات التسعينات من القرن العشرين.

عن السلام الأميركي

نلاحظ هنا أن المؤلف يبالغ كثيراً في اعتماد المنظور الأميركي في طرح مثل هذه المقولات. وفي نظره أن العالم استمتع بسلام وأمان وطمأنينة لمجرد أن بلاده (أميركا) لم تدخل حرباً عالمية مع المنافس الروسي أو مع أركان حلف وارسو في شرقي أوروبا.

صحيح أنه وصف الفترة بأنها حفلت بسلام، نسبي، لكنها حفلت أيضاً في تصورنا بحروب إقليمية تورطت فيها أميركا وحلفاؤها في غرب أوروبا. ومن ذلك مثلاً ما عانته شعوب وأقوام شتي ما بين فيتنام إلى شيلي وما بين نيكاراغوا إلى العراق، وما بين الشرق الأوسط إلى أفغانستان. إلخ.

وربما يفسر المؤلف تصوراته السابقة عندما يوضح أن أخطر ما يهدد السلام العالمي- في رأيه- إنما يتمثل في اشتعال الحرب بين القوى المحورية الكبرى حيث يأتي ذلك على شكل صراع على مواقع التأثير ومناطق النفوذ المنبثة هنا وهناك فوق خارطة العالم.

من هنا تأتي دعوة «روبرت كاجان» في مواضع متفرقة من هذا الكتاب إلى اعتماد اسلوب «الائتلافات المحدودة» أو التحالفات الأصغر حجماً كما يصفها فيما بين البلدان المختلفة، وهو ما يفضي في تصور مؤلفنا أيضاً إلى اتساع آفاق التعاون بين تلك الأطراف لتحقيق مصالحها المشتركة وخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي.

بين ويلسون و نيكسون

وعلى الرغم مما قد تتسم به هذه النغمة التي يعزفها المؤلف من روح الاعتدال، وخاصة ما يتصل بدعوات التآلف أو التعاون، فإن توجهات «المحافظين الجدد» لا تلبث أن تتجلي بوضوح حين يعمد «روبرت كاجان» إلى التأكيد على أن هذا النظام الدولي المتآلف- المتعاون، المتناغم الذي يطمح إليه، إنما يعتمد في الأساس على ما تتمتع به أميركا من مَنَعة عسكرية ومقدرة وكفاءة اقتصادية، تستند إليهما قبل الاستناد إلى ما قد يساور قوى العالم الأخرى من احترام لمكانة أميركا المعنوية أو لنبل القيم والأهداف التي تدعو إلى تحقيقها.

هذه هي الملاحظة المهمة للغاية التي رصدها واحد من أهم ناقدي هذا الكتاب، وهو المفكر الأميركي «والتر رسل ميد» في مقاله المنشور بمجلة «فورين أفيرز» (عدد يونيه 2012) وخاصة حين يتوقف عند ما يسوقه مؤلف كتابنا من أن أميركا إنما كانت تحوز أكبر احترام من جانب دول العالم عندما كان يحكمها رئيس لا يحوز بالضرورة إعجاب أو محبة تلك الدول أو شعوبها.

! والمؤلف يطرح في هذا السياق أمثلة عديدة وطريفة أيضاً: كان الرئيس «وودرو ويلسون» (1856-1924) مفكراً وأكاديمياً، وداعية شهيراً في زمانه إلى إقرار حق تقرير المصير لصالح الشعوب، كل الشعوب، وطالما حيّته كما يوضح المؤلف- جماهير غفيرة وحشود متحمسة في طول أوروبا وعرضها في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1918-1919).

ولكن الرئيس «ويلسون» عجز عن استثمار وتفعيل هذه «القوة الناعمة» كما يسميها الناقد «رسل ميد» التي نعم بها «ويلسون» برغم أنها جاءته على نحو غير مسبوق.

وعلى النقيض من ذلك، فقد كانت أميركا من أواخر ستينات القرن الماضي وإلى منتصف سبعيناته تحوز جانباً لا ينكر من اهتمام وربما احترام العالم رغم أنه كان يحكمها، كما هو معروف، رئيس أميركي غير محبوب لا داخل بلاده ولا خارجها، واسمه «ريتشارد نيكسون» (1913-1994) الذي جللت سيرته فضيحة «ووترغيت» في الداخل ومخططاته السرية لقصف وتدمير موانئ فيتنام في الخارج.

من هنا يوضح الناقد «والتر رسل ميد» أن المؤلف «روبرت كاجان» يرى أن السبيل إلى أن تقود أميركا نظاماً عالمياً يقوم على أساس الليبرالية، إنما يتمثل في أن تسهر واشنطن على إرساء أسس القوة الأميركية في الداخل ومن ثم تعمد إلى مد جسور هذه القوة إلى الخارج ولكن بطريقة تجمع بين التأني والثقة في النفس.

صناعة العالم وتشكيله 

على كل حال فثمة انتقادات موضوعية كما نراها- وُجهت إلى عدد من أطروحات هذا الكتاب، فليس من المقبول مثلاً القول بأن العالم قد «صنعته» أميركا على نحو ما يفيد به المؤلف في عنوان الكتاب. ولكن كان الأفضل، كما يقول ناقد رصين هو البروفيسور «جوزيف مارسكا» أن يأتي عنوان هذا الكتاب على النحو المعَّدل التالي: العالم الذي «ساعدت» أميركا على «تشكيله».

وأياً كان الأمر، فالمؤلف يرى أن هذه الصياغة لشكل العالم بدأت باستثمار عزلة أميركا وخاصة مع بدايات القرن التاسع عشر أي بعد الاستقرار النسبي طبعاً لبناء «دولة الولايات المتحدة».

وقد تمثلت هذه العزلة في مبدأ «مونرو» الشهير الذي أصدره رئيسها «جيمس مونرو» في عام 1824 بإطلاق يد واشنطن المستجدة أيامها في التعامل مع كل أصقاع الشمال والجنوب من غرب الكرة الأرضية (الهيميسفير كما يسمونه)، وهو ما تحولت به الولايات المتحدة لتصبح القوة الإقليمية، العظمي كما نقول، على مستوي قارتي أميركا الشمالية والجنوبية على السواء، وبهذا نافست بالطبع بقايا وتركة الإمبريالية الإسبانية في الجنوب وبقايا وتركة الإمبريالية الإنجليزية على مستوى عدد من جزر ودويلات أميركا الوسطى المطلة على البحر الكاريبي، فيما عقدت صفقات، مالية على طريقة البرغماتية المصلحية الأميركية فكان أن اقتنت بشراء ولايات من فرنسا وروسيا القيصرية أضافتها إلى دولتها الجديدة.

وبعد أن وضعت حربها الأهلية أوزارها واستقرت قوائم هذه الدولة الفتية مع ستينات وسبعينات القرن التاسع عشر، بدأت الولايات المتحدة تتخذ خطاها على خارطة العالم كي تشارك كما ألمحنا- في صياغة عالم القرن العشرين. ورغم أن هذه المشاركة تجلت بالذات كما هو معروف- خلال وقائع الحرب العالمية الثانية التي عقدت لأميركا قصب السبق على محور النازي- الفاشي الياباني، وخلع على جنودها وقتئذ هالة «محرري أوروبا»، إلا أن تجلّيات الدور الأميركي في جوهرها، لم تكن في المضمار العسكري، بقدر ما كانت في ساحات الفكر والعلم والاختراع والإبداع.

عن المنتصر الحقيقي

الذي انتصر في الحرب العالمية الثانية لم يكن شجاعة أميركا بقدر ما كان يتجسد في موقع جغرافي بعيد عن أتون الصراع، على نحو ما أسلفنا، إضافة إلى منابع غزيرة من الموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية البِكر التي كفلت لجهدها الحربي إمكانية التواصل والاستمرار.

والذي انتصر في الحرب الباردة بعد ذلك لم يكن الجندي الأميركي الذي أثخنته الجراحات في فيتنام ، بل كان في الأساس هو الفنان في عالم سينما هوليوود، وهو المبدع في عالم توصيل رسالة التلفاز المصورة عن طريق الأقمار إلى كل بيت، كل قصر، بل كل كوخ في أرجاء الكرة الأرضية وأصقاعها، وهو أيضاً فريق المبدعين من أبناء أميركا ومن المهاجرين إليها الذين فجروا ثورة الحواسيب وتكنولوجيا المعلومات ودخلوا بالعالم إلى العصر الرقمي، وشيدوا بذلك جسراً بالغ الأهمية بالنسبة للعالم كله، بحيث تبدأ قوائمه عند جهاز الهاتف البدائي الذي اخترعه «غراهام بيل» في يونيو عام 1875 ولا تنتهي عند شبكة الإنترنت الكوكبية التي تم التوصَل إليها مع عقد التسعينات مبدع أميركي آخر لم يكمل تعليمه الجامعي اسمه «بيل غيتس».

تلك هي دعائم الجهد الإيجابي الذي شاركت به أميركا في صياغة عالم اليوم، الذي ترجو الشعوب أن يشهد استثمار إمكانات أميركا ومواردها بما يوسّع دائرة السلام والتنمية والتواؤم المنشود بين الشعوب، هنالك تستقيم الصورة الإيجابية التي يتحدث عنها البروفيسور «كاجان» في فصول هذا الكتاب. هي صورة مخالفة، بالطبع، لما حدث بعد غزو أميركا لبلاد الرافدين خلال حقبة «بوش الإبن» السابقة.

والذي حدث في أعقاب الغزو أن أجرت مؤسسة «بيو» الدولية استطلاعا للرأي العام العالمي وأسفر الاستطلاع على أن معدل احترام أو قبول أميركا من حيث صورتها وسلوكها قد انخفض إلى نسبة 58% في بريطانيا وهي أقرب الأصدقاء والحلفاء، بينما انخفض في ألمانيا إلى 38% وفي تركيا إلى 30 في المائة. أما في الأردن فلم يحظ القبول بسلوك واشنطن إلا بنسبة 5 في المائة فقط لا غير.

 

المؤلف في سطور

يبلغ البروفيسور «روبرت كاجان» من العمر 55 عاماً.

وهو يجمع بين العمل الأكاديمي في مجال علم التاريخ وبين الاشتغال بالعمل السياسي وقضايا الشأن العام في بلاده، وخاصة من خلال انضوائه تحت لواء الحزب الجمهوري الأميركي بشكل عام وفصيل «المحافظين الجدد» بشكل خاص، وهو الفصيل الذي ظل مسيطراً بصورة أو بأخرى على مقاليد الحكم، وخاصة ما يتعلق بالجوانب العسكرية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، خلال حقبة الرئيس السابق «جورج بوش الإبن» .

وبرغم هذه الارتباطات فقد ظل البروفيسور كاجان يرفض تصنيفه ضمن «المحافظين الجدد».

وربما يرجع هذا إلى ما لقيه الفصيل المذكور من انتقادات شديدة ومستفيضة، وهو ما يرجع أساساً إلى سلوكيات إدارة بوش في أعقاب حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبالذات حرب العراق وأفغانستان. درس روبرت كاجان في جامعة «يال» الأميركية المرموقة، وحصل على دكتوراه التاريخ من الجامعة الأميركية في واشنطن. كما درس في كلية «كيندي» لأصول الحكم بجامعة «هارفارد».

والتحق بمؤسسة «بروكنغز» الشهيرة للأبحاث السياسية بصفة زميل باحث أقدم. ومن أحدث إصداراته في عام 2008، كتابه بعنوان «عودة التاريخ ونهاية الأحلام»، وكتابه الصادر عام 2006 بعنوان «أمة خطيرة: موقع أميركا في العالم من أول أيامها إلى فجر القرن الواحد والعشرين».

عدد الصفحات: 149 صفحة

تأليف: روبرت كاجان

عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: مؤسسة ألفرد نوف، نيويورك، 2013
 

أخبار ذات صله