fbpx
لهجة فاترة بين مصر وتركيا وغموض يحيط بالخطوة التالية
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

عززت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب صلاة الجمعة في إسطنبول، الغموض حول مصير التقارب مع القاهرة، بقوله “نسعى لاستعادة الوحدة ذات الجذور التاريخية مع شعب مصر ومواصلتها مجددا.. وعدم رضوخ لأي إملاءات، وأن تركيا صامدة بكل شموخ وليست دولة يحدد الآخرون ما تفعله في السياسة الخارجية”.

 

جاءت تصريحات أردوغان، بعد اختتام مُباحثات استكشافية بين البلدين، برئاسة نائب وزير الخارجية المصري السفير حمدي سند لوزا، ونظيره التركي سادات أونال الخميس، ببيان قصير حوى لهجة دبلوماسية فاترة وغموضا يلف الخطوة المقبلة.

 

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن اللهجة الباردة التي حواها البيان المشترك “دليل على الحذر وعدم الإسراف في التفاؤل، حيث تصورت جهات عدة أن مجرد عقد لقاء دبلوماسي علني بين الجانبين سينهي الخلافات بينهما، بينما هي تحتاج للمزيد من الوقت لصياغة تفاهمات نهائية تمنع العودة إلى نقطة الصفر”.

 

وأكدت المصادر ذاتها أن “الغموض الذي تضمنه البيان المشترك بين الوفدين كان مقصودا وموحيا بأن كل الاحتمالات مفتوحة، على مستوى إحراز تقدم أو توقف الاجتماعات لاحقا، فالقضايا المطلوب تجسير الهوة فيها لا تزال شائكة، ومن الواجب حلها جذريا قبل الإعلان عن أي خطوات لطي الخلافات”.

 

رجب طيب أردوغان: تركيا ليست دولة يحدّد الآخرون سياستها الخارجية

 

وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن هناك رغبة لدى البلدين لحل المشكلات المتراكمة بينهما، والتوصل إلى نقاط مشتركة للاتفاق، فمصلحة البلدين تقتضي تجاوز العقبات التي أدت إلى التوتر، وإزالة الحواجز التي يمكن أن تعوق تطوير العلاقات.

 

وشدد البيان المشترك أن الاجتماعات كانت في المجمل “صريحة ومعمقة”، وتطرقت إلى القضايا الثنائية وعدد من القضايا الإقليمية، “لاسيما الوضع في ليبيا وسوريا والعراق وضرورة تحقيق السلام والأمن في منطقة شرق المتوسط”.

 

ويبدو الحذر الذي انطوت عليه صياغة البيان مفهوما من وجهة النظر المصرية، لأن القاهرة تحتاج تطمينات تعبر عن حسن النوايا والتيقن من أن استدارة النظام التركي الراهنة هي انعكاس لرغبة أكيدة في تصفية القضايا الخلافية، وليست مناورة جديدة للقفز على مشكلاته الداخلية والإقليمية.

 

وحرصت القاهرة على أن تكون التفاهمات شفافة ولا تؤثر على علاقاتها مع حلفائها في المنطقة، وأنها ليست في موقف ضعيف أو في عجلة من أمرها بما يضطرها للاستعجال. وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الخميس أن اجتماعات القاهرة “تمت في أجواء إيجابية، وستستمر الفترة المقبلة للتباحث حول الخطوات التي يتم اتخاذها لتطبيع العلاقات بين الجانبين”.

 

وصدمت أنقرة القاهرة بتصريحات أدلى بها وزيرا الخارجية والدفاع التركيان في طرابلس أخيرا، حيث أكدا أن القوات التركية ذهبت إلى ليبيا بناء على اتفاقيات “مشروعة” مع الحكومة السابقة بقيادة فايز السراج، وأن قواتها جاءت إلى ليبيا لتبقى فترة طويلة، الأمر الذي يسير عكس المطالب المصرية.

 

وألقت هذه التوجهات بحجر أمام اجتماعات القاهرة، لأنها أطلقت عمدا قبيل انعقادها بوقت قصير، وفهمتها مصر على أنها استباق لمطالبها ووضع سقف لها بشأن التمسك بانسحاب القوات الأجنبية من ليبيا، وفي مقدمتها المرتزقة والقوات التركية.

 

وقالت مصادر أمنية مصرية لوكالة رويترز، “تركيا مستعدة لعقد اجتماع ثلاثي بين مسؤولين أترك ومصريين وليبيين للتوصل إلى تفاهمات بشأن القضايا الخلافية في ليبيا بما يشمل وجود مقاتلين أجانب”.

 

مولود جاويش أوغلو: اجتماعات القاهرة تمت في أجواء إيجابية، وستستمر الفترة المقبلة للتباحث حول الخطوات التي يتم اتخاذها لتطبيع العلاقات بين الجانبين

 

ومن المتوقع أن يمثل عدم خروج القوات التركية من ليبيا عقبة كبيرة أمام المباحثات مع القاهرة، إذا حاولت أنقرة الالتفاف على هذه المسألة بالتفرقة بين قوات المرتزقة السوريين الذين أرسلتهم إلى طرابلس، وبين قواتها العسكرية بذريعة أن الثانية تقوم بمهام تدريب وتأهيل وجاءت وفقا لاتفاق مع الحكومة.

 

وأسهمت الرسائل الليبية الرسمية المتضاربة بشأن الوجود العسكري التركي في الإيحاء بأن هناك انقساما داخل السلطة الجديدة، فهناك فريق يتمسك برحيلها تماما، وآخر يرى في استمرارها أهمية أمنية وضمانة لاستقرار حكومة الوحدة الوطنية.

 

ويتجاوز وجود قوات عسكرية تركيا في ليبيا حدود الحسابات المصرية، حيث طالب المجتمع الدولي أكثر من مرة بوقف التدخلات الأجنبية، وضرورة خروج المرتزقة. وأقر وزير الخارجية التركي الخميس بأن بلاده وألمانيا “تتفقان على ضرورة مغادرة جميع المرتزقة الأجانب ليبيا، لكن أنقرة لديها اتفاق ثنائي مع الحكومة الليبية بشأن تمركز قواتها هناك”.

 

تنتظر القاهرة إيجاد حل لهذه الأزمة، لأنها تمثل اختبارا جديا لحقيقة الرغبة التركية لتحسين العلاقات معها، حيث يعيد الحديث عن قانونية الاتفاقيات الجدل بشأن الظروف والملابسات التي وقّعت فيها، وأنها لم تحظ بتصديق البرلمان الليبي عليها، وهو ما يؤثر على مظاهر التوافق النسبي بين القوى الليبية ويعيدها للانقسام الحاد السابق.

 

وأوحت الصيغة الباردة للبيان المشترك بين القاهرة وأنقرة بغموض الخطوات المقبلة حيال ملف الإخوان، بعد أن أخبر الوفد التركي نظيره المصري بأن أنقرة لا يمكنها تسليم قيادات جماعة الإخوان الذين تطلبهم مصر، معللا ذلك بأن أغلب هؤلاء القادة لديهم الآن إقامة قانونية في تركيا.

 

ولم تطلب مصر تسليم جميع قيادات الإخوان وكوادر الجماعة التي تقيم في تركيا، وتريد تسليم فقط الأشخاص المتورطين في عنف وإرهاب وثبتت إدانتهم بأحكام قضائية نهائية في القاهرة، مثل يحيى موسى وعلاء السماحي، وهما من القيادات التي لعبت دورا خطيرا في الكثير من الجرائم.

 

ومع أن أنقرة تحللت كثيرا من رعاية الجماعة واتخذت خطوات لتقليص مساحة حركتها السياسية والإعلامية وأوقفت انتقاد النظام المصري، غير أنها تعتبرها “تنظيما سياسيا”، ولا تعتدّ بتصنيفها مصريا “جماعة إرهابية”، وهي المشكلة التي يمكن أن ترخي بظلال سلبية على الاجتماعات القادمة. يضاف إلى ذلك تبني الخطاب الإخواني لصيغة توحي بأن القيادات التي تقيم في تركيا تندرج في إطار قضايا “اللاجئين”، ما يمنح أنقرة ورقة لعدم تسليمهم.

 

القاهرة حرصت على أن تكون التفاهمات شفافة ولا تؤثر على علاقاتها مع حلفائها في المنطقة، وأنها ليست في موقف ضعيف أو في عجلة من أمرها بما يضطرها للاستعجال

ومع أن مصر تعرف دوافع العلاقة السياسية العميقة بين النظام التركي وجماعة الإخوان، لكنها تصر على اتخاذ خطوات أكثر جدية في بعض الملفات المتعلقة بها، باعتبارها واحدا من الاختبارات التي تعبر عن نوايا أنقرة الحقيقية في مجال عدم العودة إلى الاستثمار في هذه الورقة بعد تطبيع العلاقات.

 

وأبدت تركيا رغبة في تحسين علاقاتها مع دول عديدة في المنطقة، وتعد نتائج محادثاتها مع مصر مؤشرا لما يمكن أن تتجه إليه العلاقات بينها وبين عواصم عديدة. وقال نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي لمحطة “إن.تي.في”، إن أنقرة منفتحة بالكامل على تحسين علاقاتها مع كل دول المنطقة و”تحرك مصر وتركيا معا سيقدم مساهمات مهمة للسلام والتنمية في المنطقة وإن شاء الله سنرى ذلك في الفترة المقبلة”.

 

انتهت جولة القاهرة من دون أن تقدم إجابات شافية على الأسئلة الكبيرة التي سبقتها، وأفسحت المجال أمام الكثير من التكهنات والاستنتاجات والتخمينات لما يمكن أن تستقر عليه العلاقات في الفترة المقبلة، ما يجعل سياسة الغموض التي عكسها البيان المشترك مفتوحة على احتمالي البناء والهدم.

أخبار ذات صله