fbpx
أيوب الحمادي.. وثنائية “الانفصال ـ الاتحاد(1)

 

كتب – د. عيدروس نصر النقيب.
أيوب الحمادي، أحد المثابرين على الظهور عبر الصحافة ألإلكترونية وربما الورقية، حيث يتناول العديد من القضايا المتصلة بالأزمة اليمنية مقدما نفسه كواعظ يسدي النصائح والتنظيرات لحل الأزمات المتناسلة في اليمن من موقعه (في ألمانيا كما يذيل مقالاته)، وأعترف أنني قليل المتابعة لموضوعاته، لضيق الوقت، ولأن موضوعاته تتسم بالابتسار وغياب المنهاج العلمي المتماسك والتنقل العشوائي بين عدة أمور في النص الواحد، ولا أستبعد أن يكون العيب عندي في طريقة انتقاء المواضيع التي أقرأها، ومؤخرا قرأت اسمه على رأس مكون سياسي يمني جديد أطلق عليه أصحابه اسم “تيار التوافق الوطني”  مع  زملاء وأصدقاء أكن لهم كثيرا من الاحترام والتقدير وأتشاطر معهم بعضا من المواقف والآراء والهموم، لكن ما يعنيني هنا هو إن تَصَدٌّرَ اسم الرجل لمكون سياسي يجعل أفكاره وما يتناوله في كتاباته يمثل صورةً للموقف السياسي لهذا المكون وما يمكن انتظاره منه في المستقبل.
منذ نشر مقاله ألأخير تحت عنوان “انفصال أو اتحاد- الحقيقة بدون مكياج” والذي تناقلته عدة مواقع إلكترونية وصحفية منذ نحو خمسة أيام، وأنا أحاول التوقف عند ما احتواه هذا المقال نظرا لتعرضه لواحدة من أهم الثنائيات الساخنة على الساحة السياسية اليمنية وأكثرها حساسية، بيد إن أسباباً وظروفاً وارتباطات مهنية وشخصية حالت دون تمكني من التوقف عند هذا الموضوع في وقته، لكن بما إن الرجل يحاول إضفاء الطبيعة البحثية على كتاباته فإن التبكير أو التأخير في مناقشتها لا يغير في الأمر كثيراً.
رغم محاولاته الظهور بمظهر (الأكاديمي) (المحايد) إزاء ثنائية الانفصال-الوحدة ، أو كما أسماها هو “الانفصال أو التوحد” إلا إن الكاتب استمد معظم مفردات مقاله المذكور من قاموس السلطات الرسمية، ليس فقط سلطات ما بعد 2012م وشرعية ما بعد الانقلاب الحوثي، على تعقيداتها وتشابكات عناصرها وتضارب مصالح شركائها، بل وسلطة ما قبل الثورة الشبابية السلمية، في العام 2011م، فهو يتحدث عن “شحن الناس ضد الوحدة و الشرعية بمعلومات غير صحيحة” و ” تضليل الناس اي اسلوب شيطاني” و”التلاعب بحرية الاختيار” و”اغتصاب لعقل المجتمع و برمجته بنظام تشغيل قديم مبني على مغالطات”، وكثير مما يشبه هذه المفردات والعبارات التي تبين انحيازه المسبق والمعلن إلى طرف واحد من أطراف هذه الثنائية شديدة الحساسية والتعقيد والوضوح في وقت واحد.
سأتجنب التعرض للأخطاء اللغوية والإملائية العديدة التي تتخلل معظم فقرات بل وسطور المقال من بدايته حتى نهايته، لكنني أشير هنا إلى أن الكاتب يقدم نفسه مستخدماً لغة العلم والأرقام والمحاججة، غير إن التمعن في مضمون المقال والتدقيق في ما يخلص إليه من استنتاجات، يكشف أن ما أسماه بـ”الحقيقة بدون مكياج” لم يطلع منها لا حقيقة ولا نصف حقيقة، وأن كلما هنالك هو مكياج فقط، لكنه مكياج مشوه يمثل خليطاً من الألوان الفاقعة، الخالية من أية رشاقة أو تناغم أو جاذبية أو جماليات، وهو مصاغ بطريقة ذكرتني بذلك الزعيم السياسي الكبير الذي سأله الصحفيون عن إحدى الحوادث الإرهابية ما إذا كانت تحمل بصمات القاعدة، فكان الرد أن “سبعين % بصمات القاعدة، و ستين % بصمات غير القاعدة”، حينها سألني أحد الصحفيين العرب، كم تساوي المائة عندكم في اليمن؟؟
الكاتب يستخدم الأرقام ليوهم القارئ المسكين أنه مطلع على تفاصيل لا يعرفها سواه، وأن حججه لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، لكنه يتبع منهاجية قائمة على العشوائية والمغالطة والانتقاء والتلفيق ناهيك عن الاعتماد على مصادر غير موثوقة، جرت تعريتها من قبل أنصار النظام أنفسهم.
وعموما فإنني سأتجنب الحديث عن تلك الأرقام التي أوردها لعدة أسباب منها:
• إنه يحاكم الجنوبيين ومطالبهم باستعادة دولتهم بناء على معطيات ما قبل ثلاثين، بل وما قبل خمسةٍ وأربعين عاماً، ويتجاهل ما شهدته البلاد من متغيرات ثقافية وسياسية وعسكرية ونفسية واجتماعية؛
• أنه يعتمد فيها على مراجع السلطات الرسمية، التي تقوم على مجموعة من المرتكزات التضليلية فعلا، من خلال عدم الشفافية في ما يتعلق بإيرادات الموازنة العامة للدولة ولا بمصروفاتها، وكنت شاهدا على عدة موازنات سنوية كان يقوم فيها موظفو وزارة المالية بعملية نسخ ولصق من موازنات السنوات الماضية إلى السنة المعنية بالمناقشة، مع إجراء بعض التغييرات العشوائية في الأرقام للتظاهر بأن هناك جديداً أتت به الموازنة الجديدة، لكن الأمر كان ينكشف عندما كان وزير المالية يتقدم بطلب اعتمادات إضافية إلى الموازنة الأصلية كانت أحيانا تبلغ نصف ما تضمنته الموازنة الأصلية للعام، هذا ناهيك عن إن وقائع إيرادات “القطاعات  النفطية” (حقول الاستخراج) لم تكن قط حقيقية بل كانت تقوم على إخفاء الحقائق وتقديم أرقام وهمية، ويشمل هذا الإخفاء أضعاف الأرقام المعلنة نظرا لأن المهيمنين على القطاعات النفطية هم السماسرة المحليون المتنفذون الذين يحصدون نصيب الأسد من العائدات التي يفترض أن تذهب إلى حصة الدولة، وبعد استقطاع حصة شركات التنقيب والإنتاج فإن ما يتبقى ويورد إلى خزينة الدولة وهو أيضا يمثل رقماً غير حقيقي ويختلف هو الآخر عما تنص عليه الموازنات السنوية المعروضة على البرلمان وعلى الشعب ووسائل الإعلام، وبالتالي فإن الحديث عن مساهمة الجنوب في موارد الموازنة العامة، الذي قال صاحب المقال أنها تساوي 28 % هو كلام مرسل لا قيمة له لا على الصعيد الإحصائي والبحثي والعلمي، ولا على الصعيد الاقتصادي والتنموي.
وبغض النظر عن عنوان المقال “انفصال أو اتحاد . . . .إلخ” فإن الكاتب لم يقل شيئا عن “الاتحاد”، ولا أين هو “الاتحاد”، ولا ما هي فضائل أو حسنات “الوحدة” أو “الشرعية” التين يتحدث الكاتب عن ” شحن الناس ضدهما بمعلومات غير صحيحة”، ولا ما هي المعلومات الصحيحة التي يفترض “شحن الناس بها”.
ومن المؤسف أن هناك مثقفين وأكاديميين ما يزالون ينظرون إلى الشعب وكأنه عبارة عن أوعية خاوية، فارغة من أي محتوى، يمكن شحنها بما يريد الشاحن، وأن المواطنين لا يعرفون شيئا عن أسباب معاناتهم وفقرهم، وما يتعرضون له من سياسات إفقار وتجويع وحرمان وتهميش وإقصاء وإرهاب وترهيب، ويصرون (هؤلاء المثقفون) على إن هذه المعانات هي نِعمة ورفاهية  يقدمها الحكام للشعب غير إن هناك من “يشحن” الشعب ضدها، بأفكار مغلوطة، و”مغلومات غير صحيحة” و”عمل شيطاني”.
ولذلك سأحاول في الوقفة القادمة عرض مجموعة من التساؤلات، المتعلقة بما تناوله الكاتب عن ثنائية “الاتحاد-الانفصال”، وماذا جنى الشعب في الشمال والجنوب من عملية “الاتحاد”، ومن الذي يمارس التضليل على الشعب، في الشمال والجنوب، ومن الذي يشيطن الآخر؟ ومن يلجأ إلى المغالطات؟
لكنني وعلى عجل أشير هنا إلى أن الكثير من المثقفين الكسالى، وهم موجودون في الشمال والجنوب، يلجأون إلى التهريج والثرثرات اللغوية التي يعرضونها على إنها علم، لكنهم لا يرغبون في إرهاق أدمغتهم في البحث عن أسباب الفشل المتواصل لتجربة بناء الدولة، وانتشار الفقر والمجاعة والأوبئة والتخلف والحروب وتجارة الممنوعات، واستفحال سياسات الفساد والإفساد، وأخيرا انهيار أهم ما تغنى به الجمهوريون الحقيقيون والوحدويون الحالمون منذ منتصف القرن الماضي، وهما “النظام الجمهوري” ومشروع ” دولة الوحدة” الموؤودة”.   .    . أقول إنهم لا يرغبون في البحث في هذه الأسئلة إما هروبا من صداع البحث ومتاعبه، أو تهربا من النتائج الصادمة التي سيصلون إليها  إذا ما جرى البحث بطريقة علمية دقيقة ومنهاجية وأمينة وموضوعية.
وللحديث بقية,