fbpx
فك الارتباط بين الاشتراكي والبيض !!

تابعت النقاط التي أثارها مؤخرا القيادي الاشتراكي محمد غالب أحمد بخصوص إعلان فك الارتباط الذي أعلنه الرئيس علي سالم البيض يوم 21 مايو 1994 ، وبخصوص ما اعتبره أن “المادة الأولى وتلك الدولة قد دفنتا قانونياً ودستورياً بنص المادة الخامسة من الإعلان التي تنص على أن ” يعتبر دستور الجمهورية اليمنية هو دستور جمهورية اليمن الديمقراطية “.

في حين أن دستور الجمهورية اليمنية المشار إليه في المادة الخامسة من الإعلان – كما تحدث غالب – ينص في مادته الأولى على أن (( الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة وهي واحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها)). 

الملاحظ أن العزيز غالب لم يقل هذا الكلام إلا اليوم أي بعد 17 سنة من تاريخ ذلك الإعلان ، وبعيد مليونيات شعبية ست أبهرت العالم ، وفرضت واقعا جديدا ومتغيرا ومعادلة سياسية غير تلك التي كان يطمح لها حزب العزيز غالب المتسبب الأساسي في إدخال الجنوبيين اليوم بهذا الواقع البئيس.

من خلال قرائتي المتواضعة ، وباعتباري لست مختصا قانونيا يمكنه تفنيد ما أورده غالب في حديثه بدقة ، وهناك من هو أكفئ مني في شرح وتفصيل تلك الحيثيات ، إلا أني أرى أن تمسك الرئيس البيض بإعلان فك الارتباط يأتي في سياق الخطوات السياسية البروتوكولية المتتابعة لاتفاق التوحيد والتوقيع عليه 1989 وإعلانه في 22 مايو 1990 ، ثم فك الارتباط بدولة الشمال في 21 مايو 1994 ، التي كان الحزب الاشتراكي (حزب الرفيق محمد غالب) الطرف البارز وربما الوحيد في صياغة تلك الوثيقة التاريخية وإعلانها.

وعلى ما يبدو فإن الضربات السياسية المتتالية لهذا الحزب الذي أعلن تنكره تماما للجنوب وشعب الجنوب الذي حكمه بالحديد والنار طيلة عقود ، دفعت بعض رموزه لمحاولة التشكيك بخطوات ومستمسكات سياسية وقانونية كانوا هم أحد صناعها وكبار مخرجيها في الماضي ، وبما أن اليوم قد فلتت تلك المستمسكات من أيديهم بعد أن نفضوا أيديهم عن شعب الجنوب وتخلفوا عن ثورته السلمية ومطالبه العادلة وأصبحوا أشواكا في طريق حريته واستقلاله ، وبما أن الرئيس البيض لم يعد يمثل أمين عام ذلك الحزب ، ولا حتى عضوا فيه ، فإن المرحلة تستوجب عليهم التشكيك بكل الخطوات التي يقدم عليها البيض ، مثلها مثل تلك الحملة التي أطلقوها ضد الزعيم حسن باعوم حين أقر وثيقة الانسحاب من عضوية الاشتراكي في يافع في 2010 ، ولن يأنسوا حتى يدمروا الحراك الجنوبي ويحولوه إلى قطع ممزقة ، وهو الأمر الوحيد الذي يعيد هذا الحزب ورموزه لمسك زمام الأمور كما كان في السابق (لا سمح الله).

نص وثيقة إعلان فك الارتباط ليست بالضرورة ملزمة في كل تفاصيلها ، كما لا يمكن مطابقة ما ورد فيها حرفيا بالواقع اليوم ، لأن التمسك بإعلان فك الارتباط – الذي يختلف معه بعض أطراف الحراك كمؤتمر شعب الجنوب – يتمثل في الخطوة السياسية القانونية التي جاءت كرد فعل وقرار طبيعي بعد تنكر الطرف الشريك بالوحدة لاتفاقياتها ، وهي الخطوة التي يقرها القانون الدولي في إعلان فينا عام 1969 التي تمثل أحد القوانين الآمرة في القانون الدولي ((المادة 60: انقضاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها نتيجة الإخلال بها “1- الإخلال الجوهري بالمعاهدة الثنائية من قبل أحد أطرافها يخول الطرف الآخر الاحتجاج به كسبب لانقضائها أو لإيقاف العمل بها كلياً أو جزئياً)).

ما ورد في إعلان فك الارتباط من نقاط يرتبط بزمان ومكان وواقع العملية السياسية حينها ، ومن غير المنطق أن يتم إسقاط تلك النقاط على الواقع اليوم أو ذهاب البعض لإلغاء التمسك بإعلان فك الارتباط في 21 مايو 1990 ، بسبب مواد حوتها تفاصيله المشرعة.

هذا الأمر لا يقتصر على الأمور السياسية وحسب ، بل حتى في الجوانب الدينية ، فهناك قوانين فقهية في أوساط الفقهاء والعلماء كالمصطلح الشهير بـ “فقه الواقع” وهو كما عرفه بعض الفقهاء بـ ” الفقه الذي يعالج المواضيع المعاصرة في الحياة ويعالجها من الناحية الشرعية بحسب متطلبات العصر والموقع والعادات التقاليد وهذا التأطير لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية ما دام لا يمس أصلاً من أصول الدين”.

يمكن عمل مقارنة بسيطة في هذه النقطة ، فمثلا يمكن أن يعتبر البعض الدعوة لاستعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة حتى العام 1990 ، أيضا دعوة لا تتفق مع واقع الجنوب اليوم إذا ما اعتبرنا أن الدولة الجنوبية التي كانت قائمة حتى 1990 احتوى دستورها على أمور أساسية تتعلق بإقرارات بالوحدة اليمنية وبمضمون الهوية اليمنية التي حشرت للجنوب عنوة ، وأقرت حينها وزارات مشتركة أو على الأقل شرعت جهات مشتركة ربطت دولتي الجنوب والشمال في هذا السياق ، هذا فضلا عن طبيعة النظام الاشتراكي الاستبدادي وتحالفاته وعداءاته وغيرها . 

فلا يمكن اعتبار الدعوة لعودة دولة الجنوب بالضرورة العودة إلى شكل ذلك النظام السابق أو حتى إلى دستور البلد الذي كان قائما في تلك المرحلة ، وهي تفاصيل ليست ملزمة تماما ، لأنها باختصار شُرّعت لمرحلة من المراحل السياسية وأثبتت فشلها وعجزها ، لكن يضل التمسك بالمضمون العام (الأصل) الذي يتفق والمعايير القانونية الدولية والتشريعات العالمية هو الأساس في الأمر.

الأمر نفسه ينطبق على تمسك الرئيس البيض بإعلان فك الارتباط كخطوة عامة ضمن خطوات إجرائية بروتوكولية ابتدأت بالتمهيد لهذه الوحدة بواسطة عدد من قيادات الحكم في الجنوب وعبر عدد من الحقب والمراحل السياسية وإعلانها ومن ثم فك الارتباط بالطرف الشريك فيها ، نتيجة انقلابه على اتفاقياتها وإخلاله فيها ، وتحويل الوحدة إلا احتلال عقب فشل قيام الدولة الجنوبية المعلنة ، الأمر الذي يجعل من فك الارتباط خطوة قانونية إجرائية يجب التمسك بها وليست مطلبا سياسيا اليوم.

كما أن ذلك ينطبق أيضا – من وجهة نظري – على التسمية التي أطلقت على الجمهورية التي أعلن فك ارتباطها عام 94 بالجمهورية العربية اليمنية وسميت بـ “جمهورية اليمن الديمقراطية ، بدلا عن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” ، وشكلت لها قيادة سياسية ومجلس رئاسي ومؤسسات ووزارات.

فقياس الأمور السياسية يأتي بأصل الأشياء لا فروعها ، وأصل الدولة الجنوبية المراد تحريرها واستقلالها هي الحدود الجغرافية للدولة التي دخلت في وحدة مع دولة الشمال في العام 90 وأعلن فك ارتباطها في العام 94 ، وتم احتلالها بعد ذلك بالقوة في 7 يوليو 1994 ، والشعب الذي ينحدر منها من قبل التاريخ الأول ويعيش اليوم عليها ويناضل من تحريرها واستقلالها ، إضافة إلى العلم الذي يرفعه هذا الشعب اليوم ، والمعاهدات والقرارات القانونية الدولية التي تشرع لحقه في ذلك ، حتى إن تغيرت الوجوه والشخصيات التي تقودها ، على أن يكون من حق مؤسسات الدولة القادمة إذا توفرت الرغبة الشعبية خط القوانين التي تتعلق باسم وشكل علم الدولة وشكل نظامها السياسي وغيرها من التفاصيل التي سيفرضها الواقع والمرحلة حينها.

* عدن الغد