fbpx
من عجائب العمارة اليافعية السقوف الحجرية الفريدة

#علي_صالح_الخلاقي:

لا أظن بوجود سقوف حجرية للمساكن وملحقاتها في أي مكان إلا في بلاد يافع ، حيث تتفرد العمارة الحجرية اليافعية بطرازها المميز بهذه المزيّة الخاصة التي قد لا نجد لها نظيراً في العالم وهي استخدام صفائح أو ألواح حجرية رفيعة في الفراغات بين الأخشاب في سقوف غُرف البيت والسلَّم، تُسمى(الصَّلا- مفردها صلاءَه/صَلاه).
وتثير هذه السقوف الحجرية غرابة الزائرين ودهشتهم وانبهارهم بهذه الطريقة الفريدة التي اهتدى إليها اليافعيون وابدعوا فيها مستفيدين، بصورة مثلى، من الحجارة الكثيرة في مناطقهم الجبلية، إذ نحتوا هذه الصفائح أو الألواح الحجرية ثم فرشوها فوق الأخشاب بشكل مُحكم ومتلاصقة بجانب بعضها البعض وعلى مستوى أفقي متناسق، بحيث تبدو للناظر إلى سقف الغرفة، من مقعده، وكأنها ذات مستوى واحد، أو أشبه بصفيحة كبيرة، وهي تعطي السقف متانة وقوة.
وللسقف اليافعي خصوصية فريدة، إذ لا يستخدم فيه سوى الأخشاب والصفائح الحجرية(الصَّلأ) والطين. فبعد الانتهاء من جدران كل طابق يتم وضع المرابيع الخشبية الرئيسية التي تسمى (الرواكب/الفوالق)، وهي أخشاب من شجر السدر(العلب) تمتاز بالصلادة والمتانة ومقاومة الأرضة، يتم قطعها من أشجار العِلب، التي يكثر نموها في الأودية العميقة والشعاب، من قبل متخصص يُسمى (الوشَّار) ومن ثم استجلابها وإيصالها إلى القرى بطُرُق بدائية تعتمد على التعاون الجماعي، وعند وصول الأخشاب بمختلف أشكالها وأحجامها التي تسمى (الحِلّة) يتم تجهيزها من قبل النجارين، ويُسمون (وشّارين)، وهم أسر متخصصة بهذه الحرفة(مثال قرية شرف النجارين)
ويقومون بتسويتها وتقطيعها حسب الحاجة أو الطلب، كما يتفنون بتزيينها بنحت رسوم وزخارف تُنفذ بطريقة الحزوز الغائرة، ويكون وجه الأخشاب الرئيسية المنقوش أو المطرز إلى الأسفل ليكون شكله مرئياً للناظر، والأعلى بدون نقوش، وتُوضع فوقها المرابيع الخشبية الثانوية بشكل متعامد وتُسمى (رَعَايا- مفردها “رَعِيِّة”)..
وتوضع في سقف كل مفرش تقليدي أو (مَنزَلَة) ثلاث رواكب وفي المربَّعة أو العلية (المُجَّنب) راكبة واحدة فقط. وتُسمى المساحة التي تشغلها الرعايا مع الصَّلا بين كل فالقتين أو راكبتين ب(السَّرَع).
ويتم تغطية الفراغات بين الرعايا بصفائح حجرية مسطحة رقيقة تسمى (صَلا)، يصل طولها بين 40 و 80 سم، وعرضها من 25 إلى 30 سم، ويتراوح سمكها بين 2 إلى 5 سم. ويتم الحصول على حجارة “الصَّلا” من محاجر جبلية ذات طبقات رفيعة متوازية، وتتطلب تبصُّراً ومهارةً وإتقان عند استخراجها من قبل النقاش الذي يحرص على أن تكون هذه الصفائح الحجرية ذات سُمك مناسب وحجم كبير، وحدوث أبسط خطأ قد يفتتها ويحولها إلى قطع صغيرة لا يستفاد منها.
ومع دخول التقنية الحديثة أصبح من السهل الحصول على صفائح حجرية (صلأ) كبيرة يغطي طولها مساحة أوسع في السقف، كما رأيت ذلك في بيت حديث في خُلاقة. وتُرص الصلا بشكل متعامد على محاور الرعايا، ثم تُغطى طبقة الصلا بطبقة من خُلَب الطين، تُحضر جيدا وتسمى (اللّبنة/الخُلَب)، أما في الوقت الحاضر فتضاف خلطة الإسمنت بدلاً عن الخُلًب.
وتوجد أيضاً في البيوت القديمة أو في المساجد أعمدة حجرية مستطيلة تُسمى (سَحَابيل- مفردها:سَحبول) وكانت تُستخدم عوضا عن الخشب لندرتها، ويصل طول هذه السحابيل في بعض الأحيان إلى عدة أمتار، وقد عُثر في المسجد الأثري في قمة (جبل أحرم) بالعياسى على سحابيل ممتدة فوق السقف طول الواحد منها 4 أمتار، وكانت عقود المسجد مبنية كقناطر تحمل هذه السحابيل.
ومثل ذلك رأيته في مسجد عيسى بن أحمد الأثري القديم بالصفأة – كلد فسقوفه من السحابيل وصفائح الصلأ الكبيرة المحمولة على الأعمدة بعقوده الحجرية الستة وسقفه الحجري، ولم تُستخدم أي قطعة خشبية في جدرانه وسقوفه. وبالمثل في مسجد (آل غلاب) القديم في مدينة خُلاقة، كانت بِرْكة الوضوء فيه(الهِجرة) مسقوفة بكاملها بسحابيل تجاوز طولها الخمسة أمتار، وقد تم تكسيرها بعد هدم الهجرة مع المسجد الأثري القديم حينما بُني على انقاضة مسجد جديد أشبه ببيت من البيوت المجاورة له ودوره الثاني شيد بالأسمنت.