fbpx
هوس المجالس والأحلاف

 

كتب – د.عيدروس نصر ناصر النقيب.

تكاثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة المجالس والأحلاف والمكونات ذات الصبغة الجهوية والمناطقية والقبلية، التي تتخذ أحياناً مسمى المحافظات أو المناطق والتحالفات القبلية، وتحولت الظاهرة إلى ما يشبه الموضة الموسمية التي ما إن يتعامل بها شخص أو جهة أو طرف حتى يسارع الباقون لمحاكاته بغض النظر عن الحاجة والمبررات والأسباب والفوائد والعائدات المادية والمعنوية  أو ما يسميه الاقتصاديون بــ”دراسة الجدوى”.

ومع ذلك فإنني شخصياً لا أجد سبباً للتذمر أو القلق أو الاحتجاج أو الاعتراض حيال تشكيل هذا المكون أو ذاك المجلس أو هذا الحلف أو ذاك التحالف، فطالما آمننا بمبدأ التنوع والتعدد وحرية التفكير والاعتقاد وحق الانتماء السياسي والتعبير عن الرأي فلكلٍ منا الحق في التعبير عن انتمائه بما يجد فيه مصالحه وقناعاته السياسية والفكرية.

وحيث إن الساحة الجنوبية وحدها هي مدان هذه الظاهرة، دوناً عن بقية المناطق والمحافظات والقبائل التي يفترض أنها تشارك الجنوب ومحافظاته نفس الدولة والنظام السياسي (المفترض) فإن هناك أسئلة تطرح نفسها أمام كل من يبتهج أو يمتعض من إشهار هذا المجلس أو قيام ذاك التحالف أوالحلف، وأهم هذه الأسئلة:

1. ماذا سيضيف هذا المكون أو ذاك لصالح الجنوب وقضيته الوطنية العادلة؟

2. بماذا سيختلف هذا المكون أو ذاك عمن سبقه من المكونات والتشكيلات القائمة سواءٌ على الصعيد الجنوبي أو على صعيد المنطقة والقبيلة والمحافظة التي يتحدث باسم أهلها؟

3. ما موقف هذا المكون أو ذاك التحالف من نتائج حرب 1994م على الجنوب والتي ما تزال تمثل منشأً ورافعةً للنظام السياسي والدستوري الذي صنعته تلك الحرب والذي تدار به الأراضي والثروات والمناطق والنواحي في جميع أرجاء الجنوب؟

4.  ما موقف هذا المكون من مطالب الشعب الجنوبي باستعادة دولته الديمقراطية التعددية الفيدرالية؟

5.  هل يؤمن هذا المكون أو ذاك المجلس أو التحالف بحق وجود الآخرين والعمل المشترك معهم من أجل الأهداف الوطنية الكبرى وهل يقبل بمبدأ التنافس السياسي والاختلاف في الرأي والموقف؟

وعند ما نتحدث عن نتائج حرب 1994م فإننا لا نقصد موقف الأفراد والجماعات أثناء الحرب نفسها لأننا نعلم أن كثيرين ممن غُرِّرَ بهم ووقفوا بجانب الحرب على الجنوب قد تحولوا بمرور السنين إلى ضحايا لهذه الحرب، بل ووقفوا ضد السياسات والمنظومة السياسية والتشريعية التي أنتجتها تلك الحرب، كما ساهمت حركة التصالح والتسامح في طي الكثير من صفحات تلك المرحلة حينما وحدت الغالبية الجنوبية في مواجهة ما أنتجته تلك الحرب الظالمة على الجنوب من مآسي ونكبات شملت جميع الجنوبين منتصرين كانوا أو مهزومين.

إن أي مكون سياسي أو قبلي أو جهوي يؤمن بحق الجنوبيين في استعادة دولتهم وبناء الجنوب الجديد المعبر عن كل الجنوبيين، ويرفض نتائج العدوان والتبعية وسياسات السلب والنهب التي تعرض لها الجنوب، ويؤمن بحق الناس في التعبير عن أنفسهم وبحق التنوع والتعايش والتحالفات الوطنية العريضة في سبيل الحرية والاستقلال والبناء الوطني،  ويرفض النتائج التدميرية لحرب 1994م الظالمة على الجنوب، هذا المكون لن يكون إلا موضع ترحيب وقبول مهما كانت نقاط الاختلاف مع في التفاصيل ووسائل وظرق التعبير.

ومع كل هذا فحتى المكونات التي تتبنى سياسات منتصري 1994م أو تتستر عليها وتطالب ببقاء الجنوب تحت هيمنة تحالف 7/7 وورثته، حتى هذه المكونات يمكنها الإفصاح عن نفسها لكن المحك النهائي لقدرة هذه المكونات على البقاء على قيد الحياة مرهون بقدرتها على بناء حاضنة اجتماعية تتقبل تلك المواقف السياسية التي لم تعد تجد من يتبناها وحتى أصحابها ومؤسسيها وعرابيها أنفصهم قد صاروا يتوارون خجلاً من الإفصاح عنها.

وستكون لي وقفة قادمة عند قضية ما يسمى تبني الخارج أو التبعية للخارج التي يرددها البعض كإتهام لهذا المكون أو ذاك الشكل السياسي فالحديث ذو شجون كما يقال.