عشرون يوماً في عدن (1)

 

كتب – د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

عشرون يوماً كانت هي أيام إقامتي في عدن وتنقلي بينها وبين مناطق مختلفة في أبين ولحج ويافع، وفي عدن بين ساحل جولد مور وساحل أبين ومدينة إنما.
لا شك أنها فترة قصيرة لشخص يبتعد عن أحب البقاع له في هذه الدنيا ولسنوات متواصلة، وعدن مدينة تستحق الحب والهيام، بجمالها وسكينتها ورفاهيتها أو ببؤس الحياة فيها وتوترها وشظف العيش فيها، . . . . عدن مدينة تُحَبُّ بالإرادة والرغبة والإعجاب والهيام، أو بالغريزة والفطرة الاعتياديتين . . . .، ومن لا يحب عدن لا بد أنه يفتقد لشيءٍ من السمو الأخلاقي والرقي النفسي والسلامة البدنية، مع كل الاعتذار لمن لا يشاركني هذا الشعور.
* * *
يا أنت ياعذراءنا السمحاء
كم عصف الزمان زوابعَ
كي يستبيح طهارتك
وتَنَاوشَتكِ نوائبُ الأيام
وانفتحت شهيِّات الغزاة
لفضِّ نبلك غيلةً
لكنك استمددت من “شمسان”
طعم شموخه
ومن “الطويلة” لون مائك
صافياً متطهراً
من كل أشكال الغثاء.
* * *
كانت رحلتي بصحبة أسرتي هذه المرة يوم السادس من أغسطس 2024م على متن الطائرة اليمنية القاهرة-عدن لقضاء جزءٍ من العطلة الصيفية بين الأهل والأحباب بعد أكثر من أربع سنوات على الزيارة الأسرية السابقة وبعد قرابة سنتين على آخر زيارتي الشخصية القصيرة لعدن.
وجاءت الزيارة هذه المرة في ظل الكثير من الانتقادات والتحذيرات التي تلقيتها من أصدقاء وزملاء أعزاء كثيرين، وكلها تتعلق بالوضع الأمني السيء وحالة الانفلات الذي تعيشه البلد في ظل غياب شبه كلي للدولة عامةً ولمعظم المسؤولين والقادة على وجه الخصوص وما ترافق مع ذلك من شلل كلي يصيب مؤسسات السلطة وغير السلطة ناهيك عن انهيار الحياة المعيشية للناس في عدن وبقية محافظات الجنوب، والتي بلغت حداً يصعب وصفه ناهيك عن تقبُّلِه، وهذا ما سأتوقف عنده في موضوع لاحق، وتأتي هذه التنبيهات من الزملاء والأصدقاء الأعزاء بالتزامن مع تنامي حالة الغضب العارمة بسبب بعض الظواهر والتصرفات والانتهاكات التي طفت على السطح وكان أبرزها قضية اختطاف وإخفاء الضابط العسكري المقدم علي عشال الجعدني وما اكتنفها من ملابسات وحذرني البعض بدافع المحبة والخوف على شخصي البسيط من التعرض لأي أذى عمدي باستغلال هذه الأجواء غير المستقرة أو حتى التعرص لأذى غير مقصود.
لكنني أصررت على استكمال الرحلة لثقتي أولاً أن ليس لي عداوات مع أحد ولإيماني بأن الأقدار لا يمكن ردها أو صناعتها إلى من عند صانعها جل في علاه.
وقد تصادفت رحلتي يوم الجمعة السادس من أغسطس مع الدعوات لما سمي بمليونية عشال وكنت قد كتبت منشوراً حول هذه القضية عبرت فيه عن التضامن مع أهلنا في مديرية لودر وكل محافظة أبين التي أنتمي إليها ومع كل المتعاطفين مع أسرة المختطف عشال، مشدِّداً على الطابع الجنائي للقضية والنصح بعدم تسييسها أو جعلها قضية مناطقية خصوصاً وأن السلطات الرسمية قد عبرت عن متابعتها الجادة للقضية وتفهم أسباب غضب الأهالي وإدانتها للتصرفات التي ارتكبها بعض المحسوبين على جهاز مكافحة الإرهاب، ومطالبتها بضبطهم عبر الإنتربول الدولي.
ولا أخفي أنني كنت أنوي المشاركة في الفعالية التضامنية، التي جرت اليوم التالي لوصولي، ولم أتراجع عن نيتي هذه إلا بعد أن تلقيت أخباراً عن الدعم الحوثي لها وما ترافق مع كل ذلك من التحريض المناطقي والتعبئية المكشوفة لبعض المتعاطفين مع عشال ضد مناطق بعينها واستغلال القضية سياسياً، وهو ما بدا من خلال تظافر الإعلام الحوثي مع إعلام اسطنبول والقائمين عليه وما صدر عن بعض القائمين على الفعالية من استرجاع لخطاب التحريض والكراهية واسترجاع خطاب التكفير الذي تزامن ذات يوم مع حرب الغزو والعدوان على الجنوب في العام ١٩٩٤م، وهو ما أفقد القضية الكثير من زخمها ومن المتضامنين والمؤازرين للضحية ومناصريه.
* * *
ومع كل ذلك فقد كانت فرحتي، مع أولادي وزوجتي لا تقاس وأقدامنا تلامس أرضية مطار عدن وتحتك بتراب الوطن ونحن نشم عبير هواء عدن الذي حرمنا منه أربع سنوات متواصلة وتنامت الفرحة والبهجة خلال الأيام التالية عندما التقينا بالأهل والأحباب والزملاء والأصدقاء والرفاق من معلمينا وأساتذتنا وقادتنا ومن زملاء الدراسة وأصدقاء العمل وتلاميذنا أثناء العمل في التربية والتعليم والنشاط الوطني والاجتماعي .
وللحديث بقية