في عالمنا اليوم، التنمية ليست مجرد خيار، بل هي المحرك الأساسي للاستقرار والسلام. لا يمكن لدولة أن تنتظر انتهاء الأزمات السياسية والأمنية حتى تبدأ في بناء اقتصادها، بل يجب أن يكون قطار التنمية هو الذي يجر باقي العربات، بما فيها السلام والاستقرار. التجربة المصرية في تجاوز أزماتها وتثبيت ركائز اقتصادها تمثل نموذجًا يجب أن يُحتذى، خاصة في دول مثل اليمن، التي تعاني من تحديات أمنية واقتصادية معقدة.
إذا انتظرنا تحقيق السلام والاستقرار أولًا دون تنمية، استثمارات، ومشاريع حقيقية، فلن يحدث ذلك أبدًا. فالتاريخ يثبت أن الاقتصاد القوي هو الذي يصنع الاستقرار، وليس العكس. مصر أدركت هذه الحقيقة، وتحركت رغم كل الأزمات لتبني اقتصادها وتعيد ترتيب أوضاعها، وهو ما يمكن أن يكون خارطة طريق لليمن للخروج من أزمته.
الدول التي لا تستسلم لواقعها وتستغل فرص الشراكة والتعاون مع الآخرين هي التي تتمكن من تجاوز الأزمات والانطلاق نحو مستقبل أفضل، ومصر مثال حي على ذلك.
منذ ثورة 25 يناير 2011م، شهدت البلاد تغييرات سياسية متسارعة، بدءًا من الإطاحة بحكم حسني مبارك، مرورًا بحكم المجلس العسكري، وانتخاب محمد مرسي رئيسًا، ثم تولى عدلي منصور الرئاسة بعد عزل مرسي، بصفته رئيساً للمحكمة الدستورية العليا ثم انتخاب السيسي رئيسًا لمصر عام 2014م، وخلال تلك الفترات، واجهت مصر اضطرابات أمنية خطيرة كادت تهدد استقرارها بالكامل.
لكن رغم كل التحديات، استطاعت الدولة المصرية إعادة بناء نفسها من خلال رؤية مصر 2030، التي وضعت أسسًا لتحقيق التنمية المستدامة على محاورها الثلاثة: الاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي، بمشاركة نخبة من الخبراء. ولم تكتفِ مصر بوضع الرؤية، بل عملت على تنفيذها فعليًا، عبر إصلاحات اقتصادية كبرى ومشروعات قومية طموحة.
واجهت مصر تحديات كبرى أثناء تنفيذ الرؤية، أبرزها جائحة كورونا 2020 وحرب أوكرانيا 2022، والتي أثّرت على الاقتصاد العالمي، ومع ذلك لم تستسلم الدولة المصرية، بل واصلت مسيرتها رغم التحديات، في بلد يعاني من معدل نمو سكاني مرتفع ومشكلات اقتصادية متراكمة.
رغم أن مصر تحملت ديونًا كبيرة لتمويل هذه المشروعات، إلا أن عائدات الاستثمار والتنمية المستقبلية ستساهم بشكل تدريجي في تخفيف أعباء هذه الديون. فالتنمية ليست مجرد أرقام، بل هي بناء لمستقبل اقتصادي قوي يعتمد على استثمارات مستدامة تعود بالنفع على الأجيال القادمة.
ما حققته مصر يؤكد أن الإرادة والإدارة القوية هما مفتاح تجاوز الأزمات وبناء المستقبل، وهو درس مهم لأي دولة تسعى لتحقيق نهضة حقيقية رغم الصعوبات.
اليوم، لدينا محافظات محررة تمتد من المهرة إلى باب المندب، وهذه المساحة الواسعة يجب أن تكون منطلقًا لقطار التنمية، عبر وضع رؤية واضحة، بأهداف محددة زمنيًا، وبكادر مؤهل قادر على تنفيذها.
إذا تحقق ذلك، فلن يكون الاستثمار مجرد وسيلة للنهوض بالاقتصاد، بل سيكون عاملًا محوريًا في تغيير المعادلة السياسية في اليمن، ويمهد الطريق نحو سلام مستدام، قائم على الاستقرار الاقتصادي والتنمية