fbpx
حراس الوحدة الجدد

كتب| شفيع العبد

استهلال:

“الانفصال قائم. من ظن أن الوحدة قائمة فهو غير حساس وغير مبصر أيضاً.”

الراحل “عبدالله البردوني” في مقابلة أجراها الزميل حسن العديني لجريدة “السفير” البيروتية عام 1995م.

______

يتعقّد المشهد السياسي اليمني أكثر مع اقتراب انتهاء موعد مؤتمر الحوار الوطني؛ وتتجلى ابرز تعقيداته تلك في عدم ملامسة غالبية الأطراف السياسية والثورية لطبيعة القضية الجنوبية، وبالتالي عجزها او فشلها – الأمر سيان- في اقتراح حلول تتناسب وطبيعة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، التي يرجع جذرها الحقيقي والمتجلي بوضوح في فشل المشروع السياسي السلمي للوحدة، وتدميره بحرب صيف 94م، التي شنتها قوى تحالف 7 يوليو الأسود ضد الجنوب الجيو سياسي.
يقف الحزب الاشتراكي اليمني، على النقيض من تلك القوى التي يغيب عنها المشروع السياسي الوطني، والتي تقف متفرجة على الخلافات الجنوبية – الجنوبية، وباحثه عنها، حتى لو تطلب الأمر استخدامها لعدسة “شولوك هولمز” في مهمتها البحثية الوطنية، ليس لإنتاج حلول لتلك الخلافات ومساعدة أصحابها على تجاوزها، بل لانتهاز الفرصة لصياغة خطوط عريضة لمشاريعها السياسية الساعية لزيادة هوة الخلاف.
لذا فالقوى السياسية والنخبوية الشمالية يعوزها المشروع الوطني الجامع، ويبقى “جامعها” المقدس هي الخلافات الجنوبية – الجنوبية، التي تجد فيها مساحة للالتقاء بعد أن باعدت بينها المصالح والجغرافيا والمشاريع الفئوية والمذهبية.
وحده الحزب الاشتراكي اليمني، قد اقترب من ملامسة جوهر القضية الجنوبية، وتقديم رؤية واضحة تحمل في مضامينها الحل المناسب لها باعتبارها المدخل لحل الأزمة اليمنية برمتها، من خلال إعادة صياغة الوحدة في دولة اتحادية من إقليمين، بما يعيد للجنوب وجوده السياسي ويحمي مصالحه ويحفظ له الشراكة الندية، بعيداً عن ثنائية أمراء الحروب وتجارها “الفرع والأصل”.
رؤية الاشتراكي أثارت حنق كثير من القوى – بما فيها منتمين لهذا الحزب-، التي توحدت جهودها في الإساءة إليه، لتغطية عورة عجزها عن تقديم رؤية واضحة لحل القضية الجنوبية، فذهبت للاحتماء بصنمية الوحدة، واستدعاء ثنائية “الوحدة و الانفصال” بهدف تجييش مشاعر الجماهير وتأليبهم ضد الاشتراكي باعتباره شيطاناً يسعى لتجزئة اليمن الملائكي مجدداً، ويجب الاحتشاد لمواجهته، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان شيء من المشاهد المروّعة التي سبقت حرب صيف 94م.
لذا سيجد الاشتراكي نفسه مجدداً ومعه الجنوب؛ في مواجهة التحالف الناشئ بين حُراس الوحدة القدامى والجدد، بأدواتهم الدينية واليسارية.
الخطاب الديني، ومنابر المساجد، و “الكاسيت”… الخ، كانت ابرز أدوات الحشد والتعبئة التي حركت المجهود الحربي آنذاك، وجعلت من الاشتراكي كافر وخارج عن الدين، ومعه الجنوب الفرع المتمرد على الشرعية.
اليوم الأمر مختلف، فالخطاب المتدثر باليسارية، حل محل الخطاب الديني، كأداة تحشيد مستخدماً المنابر الإعلامية “الصحف، والمواقع الالكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي”، في مواجهة الاشتراكي، ومواجهة الفيدرالية من إقليمين كحد أدنى لحل القضية الجنوبية؛ وهو الحل الذي لا يحظى بالقبول لدى الشارع الجنوبي الثائر الذي حدد خياراته باستعادة الدولة، وينظر للفيدرالية كمشروع ينضح بالتآمر على القضية الجنوبية، ومحاولات بائسة للالتفاف على تضحياته ونضالاته.
يعتقد الكثير من مثقفي الشمال ونخبه وسياسييه، بما يملكونها من أدوات وقدرات للتلاعب بالكلمات التي سرعان ما تتلاشى كفقاعات صابون في فضاء الفراغ الذي ظلوا يسوقونه، أن بإمكانهم التأثير على وعي الجماهير والتشويش عليها، بهدف تغيير اتجاهاتها، والتخلي عن خياراتها لصالح خيارات أخرى يسوّق لها أولئك النخبة، حتى وان كانت خيارات الفراغ المحمل بغبار التثبيط والتيئيس.
موقف تلك النخبة التي كانت تناصر الحراك الجنوبي وقضيته في محطات عديدة، واستنفرت قواها اليوم لمواجهة الحد الأدنى من حلول القضية الجنوبية، يعزز الانطباع السائد في الجنوب، من أن الشمال بكل أطيافه السياسية والاجتماعية ينسى خلافاته، ويتسامى على جراحاته عندما يتعلق الأمر بمواجهة هذا الجنوب الملعون، وإلا كيف تشوفوا؟!

من صفحته على الفيسبوك