fbpx
دعوة لتصحيح مسار التاريخ

 بقلم |حسين صالح غالب السعدي .

 كنت أقلب بعض الكتب المفيدة عن التاريخ وبعض المقالات المتعددة لكي أستفيد من تاريخ خيار رجالنا ولكن ما هالني من تمييع وتزوير للتاريخ على مدى قرون فمن ذلك التزوير الذي لا يقبله عقل ولا منطق سليم فكيف بمسلم يحترم دينه ونبيه وصحابته ثم يحترم أهله وناسه وشرفه وكرامته من أن تُلوث فمما قرأت مما دار الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما جميعا وباختصار اجتهد الصحابيان { فأصاب علي وأخطأ معاوية } والواقعة بحقيقتها أن معاوية رضي الله عنه قد تولى الإمارة زمن عمر بن الخطاب وزمن عثمان ( رضي الله عنهما جميعا ) وكان معاوية هو ولي دم عثمان وقد وافق اجتهاده اجتهاد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما وطلحة والزبير حواريي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ، وكانوا يرون ضرورة تعجيل القصاص قتلة عثمان رضي الله عنه ورأى أمير المؤمنين علي ( رضي الله عنه وأرضاه ) : أن القصاص حق ، ولكن ظروف الأمة في وقتها لا تسمح بذلك وكان يحتضن معاوية ولم يزد على قوله : إخواننا بغوا علينا . وقال رضي الله عنه : قتلاي وقتلى معاوية في الجنة وكان في كلا الفريقين أناسٌ من الصحابة من شهد بدراً ( وكأن الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) رواه الشيخان : البخاري ومسلم . وأمرونا من يومهم الى يومنا هذا على مرور القرون وكل العلماء الصادقين يأمروننا بأن نُمسك عما شجر بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ونترضى عنهم جميعا فهم خيار الله المتقين ولا نسمح بالطعن فيهم فكل صحابي أفضل من كل من جاء بعده كما قال الإمام النووي { وكلهم عدول ، وجهل أحدهم لا يضره كما هو مقرر في علم الرجال } وبالتالي فليعرف منا قدره وليلزم حدَّه ولا يتطاول على الأكابر والأفاضل الذين هم نقلة الشريعة .

 

فالى هنا نقف ونتسائل من أين أتت بعدها الكثير ممن كتب وطعن وتنقص إلا من بعض كتب المستشرقين أو من المتعصبين أو من المزايدين على التاريخ فهل عرفتم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وما قام به في نصرة دين الله فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوج بنت النبي فاطمة رضي الله عنها وهو من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك ما قام به بعده أمير المؤمنين معاوية فهو أخو أم حبيبة أم المؤمنين وهو خال المؤمنين وهو أحد كتاب الوحي ، وكان أعظم ملوك الإسلام كما وصفه الإمام ابن كثير : فهو شمس سطعت على الدنيا بعد شموس أربعة ـ الخلفاء الراشدين الأربعة ـ ملأت الدنيا ضياءاً فخفت ضوء الشمس بجوار الشموس الأربعة كما ذكر ابن العربي في كتابه ( العواصم من القواصم ) فعمل ساعة واحدة في حياتهم لا تساوي عمل أمة بكاملها في أيامنا هذه ثم يأتي من يزور التاريخ ويأتي بالغرائب والدجل والتشويه .

فمن المؤسف من طالع كتب التاريخ التي تُدرس لأبناء المسلمين في الكثير من البلدان وجدها قاصرة على هذه المسائل المشبوهة والمزوّرة التي تلقّفها الجهّال عن المستشرقين والمتعصبين والمتشددين لجهة معينة على مدى التاريخ والقرون الطويلة وغيرهم دون تمحيص .

 

كذلك متابعة التزوير لتاريخنا من بعد الصحابة في حكم الدولة العباسية والأموية حيث صّوروا تاريخهم على أنه ثورات وحروب وقتل وخيانة ومؤامرات وقصور وجواري وخمور !! فمنها على سبيل المثال صوّروا في حس العامة والجهلة من الأكاديميين وغيرهم ممن لم يقرأ التاريخ من سنده الصحيح على أن [ هارون الرشيد رحمه الله ] كانت خلافته خلافة رقص وغناء وقصور وجواري وخمور !! ولا يعرفون بان تاريخه الحقيقي كان يغزوا عاماً ويحج عاماً وكان يُخاطب السحابة ويقول ( سيري أينما شئت أن تسيري فسيأتيني خراجك ) ليقسمه بين المسلمين وكانت من أكثر الفتوحات في عهده واتسعت رقعة هذه الأمة في عهده وارتفع قدر كل مسلم في عهده وأصبح المسلمين في القمة فكان يخاطب من يعتدي على المسلمين بعز وكتب الى لنقفور ملك الروم : ( أما بعد ، فمن هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم فإن الأمر ما ترى لا ما تسمع ) ، فبالله عليكم من عمل هذه الأعمال العظيمة كيف له أن ينشغل بالفساد والتنعم والتراهات !! اللهم لا ، فلينظر أحدنا إذا انشغل بعمل متشعب فيريد أن يحقق فيه غاية الطموح وبلوغ العمل الطيب ، فهل لديه وقت للترف والتنعم ، فما بالك بمثل هؤلاء العظماء الكرماء .

 

ومن بعدها إذا نظرت الى التشويه في كتابة التاريخ عن الدولة العثمانية فحدث ولا حرج حيث قد جعلوهم مستعمرين للأمة العربية وتناسوا بأنه لولاء الله سبحانه هم خلافتهم فقد حفظوا لنا طوال خلافتهم الهجمات الأوربية الصليبية الحاقدة على مدى أربعة قرون .

 

ثم توالت التزويرات المتكررة فمن تلك التشويه والتزوير فيما مضى من تاريخنا المعاصر عن الإساءة المتكررة عن سلاطيننا ومشائخنا في الجنوب حيث قد صوروهم بأنهم عملاء للاستعمار البريطاني وأنهم أغبياء وكان همهم الوحيد هي بيوتهم وأنفسهم ولم يعيروا بأي اهتمام برعاياهم وبسلطناتهم وبمشيخاتهم ، وصوروهم بأنهم لا دين لهم ولا تقوى وبأنهم حفنة مأجورين يعملون لصالح الخارج .

 

فهكذا التاريخ لوثه كل ملوث وجعلوا أنفسهم في كل زمان ومكان بتحكم السلطة والقوة والجبروت حجاب ساتر عن رؤية الحقيقة ولذلك لابد من تصحيح المسار عن تاريخنا والأخذ من نقل العدول الثقات فالقول في تقدير رجالنا وتاريخنا لا يُخذ إلا من العارف العالم الثقة الذي جعل الآخرة نصب عينيه ، فيا شبابنا لابد من وقفة بحق وبجد وكلمة صدق نذب بها عن تاريخنا ونرد بها الحق الى نصابه ويجب كشف كل متنفذ جاهل إذا أراد أن يلعب بالتاريخ سواءا القديم أو الحديث ثم كشف المُزيفين من أهل البيوتات الغامضة ممن رفع نفسه فوق قدره الذي يستحقه وجعل نفسه سواءا بأقواله أو بإعلامه المزيف عالم وشيخ وحكيم وزعيم زمانه وجير وبدّل التاريخ بسطوته ونفوذه وبجبروته فلا حول ولا قوة إلا بالله .

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا حقيقة تاريخنا ناصع البياض حقاً وسليما من التزوير ويرزقنا الانتفاع به وأن يرينا التاريخ المزور والباطل كما هو باطلاً ويرزقنا اجتنابه ونسأله بأن يعجل بزوال الباطل ويجعله بواراً والحمد لله رب العالمين .