fbpx
الوسطية ، عدونا اللدود !!

 

بقلم : حسين صالح غالب السعدي

كم يكتب ويتحدث الكثير عن الوسطية وعن فضائلها وبركاتها وأن أصحابها هم السعداء وأن من ترك الوسطية هم الأشقياء فيشقون إما بتفريط وإما بإفراط ، الكلام كثير ولكن من خلال ما مر بنا منذ سنوات عديدة ، وإذا نظرنا إلى واقعنا تجد أن الوسطية عدونا اللدود ، فإما أن نمجّد تاريخ أناس صعاليك بكل ما تعنيه الكلمة ، فلا دين ولا تقوى ولا رجولة فجعلناهم الحكماء والصقور والعقلاء وشيوخ مشائخ وعلماء المشائخ …. الخ ،  وفي الجانب الآخر قضينا على تراثنا وتراث الآباء والأجداد والعلماء والمفكرين والعظماء ممن خدموا دينهم ووطنهم وكانوا دائما لا يألون جهداً في بناء الوطن والمواطن وكانوا يتقاسمون الناس على السراء والضراء فكم كانوا نبلاء وشرفاء وعظماء وكم أجحفنا في حقهم وجعلناهم بلهاء وعملاء و… و… بسبب عدم الوسطية ولا داعي للتفصيل لأنه سيطول .

 

في أيامنا هذه إذا اختلفنا مع ( مسئول ما ، أو شخص ما ) فإما أن نرفعه على رؤوسنا بلا بينّة ولا دليل يُذكر وإما أن نضع ما يقوله ويفعله تحت أقدامنا بلا بينة ولا دليل يُذكر وإنما [ قيل وقالوا ] بلا تثبّت ولا بينة وإنما كرهاً في الوسطية نقولها باللسان بسهوله ويسر ولكن الواقع إما إفراط أو تفريط .

 

كم نحن بحاجة الى مراجعة كاملة لحالنا وتغيير جذري لوضعنا خطوة بخطوة على قدر الاستطاعة ، فإن لم نغير واقعنا المتشدد أو المفرّط  لا نستطيع إصلاح أنفسنا ومجتمعنا وبلدنا ، وبدون المصالحة الحقيقية مع { الوسطية } سنبقى تحت عبودية من كانوا سبباً في وضعنا ووضع بلادنا هذا ،  وما حل بنا فأصبحنا بسبب المتشددين والمفرطين لا قيمة لنا بالداخل والخارج .

  • إن التزمنا بالدين فإما تشدد مقيت فما تسمع إلا التكفير والتنفير والتضليل والتبديع وإما إفراط مخل بميوعة وتمييع .
  • إن حكمنا فإما ولاء مطلق للأحزاب وقادتها ومشائخها وإن كانوا بعيداً عن الوطن والوطنية وإما فلتان وإهمال وتسيب .
  • إن علمّنا فإما دخلنا في بحور العلوم المعقدة وأدخلنا من نعلم ونربي بأمور لا يدركها عقله ولا فهمه وإما أهملنا حتى لا يستطيع الطالب الثانوي أن يكتب الإملاء الصحيح والحساب الصحيح .
  • إن أطرينا شخص ما أو جماعة ما ، فإننا نمدحهم بأعمال لا تقوم به الدول العظمى فضلا عن شخص ما أو جماعة ما وإما أن ننسف كل أعمال الشخص أو الجماعة ولا نذكر لهم خيراً .
  • إن صغنا التاريخ فنمجد أمم وجماعات وأشخاص من بلاطجة القوم ونضع ونهمش ونلغي دور آخرين من الشرفاء .

كم هي الوسطية عدوة لدودة لنا !! وكم تركناها من زمان !! فلم يعد لها قبول في زماننا إلا من رحم الله وهم القلة .

فكم نحن بحاجة إلى الوسطية فلا نحتقر قدرات الآخرين ولا نهمّشهم ولا نغتر بكبار القوم ، حتى لو كانوا من الفاضلين فليس هذا أننا لا نستغل طاقات الصادقين ونحترمهم ونقدر مجهودهم النبيل بالعكس تماماً ، إنما ننبّه إلى الوسطية وإلى خير الكثير من المدفونين المغمورين الذين همّشوا كثيراً ولم يُؤبه لهم ، الذين يخدمون دينهم ومجتمعهم وأهلهم وناسهم بقلوبهم الطاهرة وجوارحهم حسب استطاعتهم ، نراها في أعيننا القاصرة قليلة جدا ومحدودة ، ولكنها تقطع المسافات العظيمة وتصل بركتها إلى الآفاق فلها سر عظيم وبسببها يحفظ الله البلاد والعباد ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم { سبق درهم مائة ألف  } قالوا : يا رسول الله ، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟ قال : { رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به ، وآخر له مال كثير فأخذ من عرضها مائة ألف } هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه .

هذا هو الميزان الإلهي ، فلا يجوز غمط الناس وتهميشهم لعدم انتمائهم ( لأحزابكم ) وكرهاً للوسطية ، فعسى أن يكونوا خيرا منكم ، فقد يوجد ممن تهمشونهم يعرج بقلبه إلى السماء العليا فيدحر بقوله وعمله القليل المبارك المصائب والعلل بإخلاصه ودعائه ، إن استيعاب طاقات الصالحين كلا على قدره من أعظم الوسطية في الدين ، فاختلاف التنّوع مطلوب في كل الأحوال ، فلا إفراط ولا تفريط فهل من وسطي في القول والعمل ؟!! . وأذكر نفسي وإياكم بقوله تعالى : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } الآية .

 

اللهم اجعلنا من أهل الحق والوسطية ، وأجعل الجنة دارنا وقرارنا وجميع المسلمين ، والحمد لله رب العالمين .