fbpx
السياسيون سبب لتكرار مآسينا ؟

السياسيون سبب لتكرار مآسينا ؟

د. فضل الربيعي

يمكن القول اننا من أكثر الشعوب التي أساءت استثمار ثرواتها المادية والبشرية  والإبداعية عموماً ، وقد أخفقنا أيما إخفاق بتوظيفها في مجال التطور الحضاري وتنمية وازدهار المجتمع في تحقيق التحول في مجال العلم والثقافة والصناعة  والزراعة كما سارت وتسير عليه شعوب المعمورة .

 وعليه لابد من البحث والتفتيش عن الاسباب التي حالت دون الوصول الى النهوض بالمجتمع ولماذا  نعيش الاخفاق المستمر ؟؟  للإجابة على ذلك  يمكن لنا ان نقول أن الاسباب الرئيسية التي تقف وراء هذه النتيجة ألمخيبة انها تعود الى العجز السياسي المزمن في ادارة شوؤن البلد واستثمار ثرواته الطبيعية والبشرية ، اذ طالما كان السياسيون هم السبب الرئيس في تخلفنا وويلاتنا، في الماضي والحاضر ربما ذلك يعود الى غياب  ابتعادهم عن الروح الوطنية العليا ، بل وعدم قدرتهم على ادراك على فهم الواقع الموضوعي وغياب النظرة العلمية والوطنية التي تتماشي مع التطورات المعاصرة. لذلك ظلوا فاشلين في تأسيس مشروع وطني واضح المعالم يستند على قاعدة سياسية ووطنية راسخة ، تتحرك في ضوئها الانشطة المتعددة التي تضفي عليها الطابع الوطني التحرري من كل رواسب الماضي والحاضر .

لذلك عاشت تجربتنا المعاصرة حالات من العجز الكبير الذي لم يخرجنا من انتاج  الماضي وتعقيدات الحاضر بسبب تصرفات السياسيين  تلك التصرفات الرعناء التي ادخلتنا والوطن في صراعات عبثية في المراحل السابقة من عام 1967م ، اذ لم تستكمل فيها  بناء دولتنا  الوطنية المدنية الحديثة ، بل ذهبت بعيدا عن الوطن تسُوق لمشاريع وهمية خارج حدود الوطن ” اقليمية وقومية وأممية  ” وان كانت هذه المشاريع تمتلك احقية لكنها كانت بالإمكان ان تنطلق من المشروع الوطني اولا  – منه تتجه في الفك الاقليمي والاممي –  فلا تتجاوز المشروع الوطني  ولا تلغيه . اذ يبدو ان النخب السياسية  كان لديها مشروع سلطة لا مشروع دوله او وطن وهذا ما يفسر ما ذهبت اليه في الماضي وما هي عليه في الحاضر ؟

وقد كانت تلك المشاريع الاممية والإقليمية  آتية من الخارج  ليس من خارج الوطن فحسب بل من خارج تلك النخب التي تنتسب اليه . وهي مشاريع  تطبق كحقل لتجارب الاخرين التي قفزة عن الوطن والوطنية وإن كانوا يجدون لها  حجج تاريخية تتعلق بالظروف السياسية التي فُرضَت علينا من الخارج  في زمن الحرب الباردة ؛ الا ان ذلك لا يبرر التخلي عن المشروع الوطني ” الدولة الوطنية الجنوبية ” كما جرى التعامل معها ، وهذا  دليل عن ضحالة السياسيين اولا ،  لذا لابد لساسة الحاضر أن يستوعبوا التجارب المرّة  التي أثقلت كاهل الجنوبيين ، وألقت بهم في مناطق الوهم والتخلف والصرعات الشخصية ، وعليه  لكي يتمكن سياسيون اليوم، من تأسيس حاضنة سياسية معاصرة للعمل السياسي ، يتم من خلالها استثمار القدرات الجنوبية بصورة صحيحة لبناء الدولة الجنوبية المدنية الحديثة. اعادة القراءة النقدية المعمقة  للتاريخ السياسي الجنوبي، والتخلي كلياً عن ذلك المنهج المتبع في ادارة الفعل السياسي  في الماضي واثبت دم تخلي السياسيين عنه  مع الاسف في الوقت الحاضر، وفي هذا الاطار  فهي مدعوه لتأسيس مبدأ الاعتراف بالحرفنة السياسية والتخصصات العلمية  التي سوف تساعد على فك طلاسم ورموز العقد المخيفة المتاصلة بالذات السياسية الجنوبية وايجاد حلولا لها كما ينتضرها الجميع .

ان المتابع لتاريخ الجنوب يستطيع أن يكتشف بسهولة، جملة من الأخطاء الجوهرية التي ارتكبتها ويرتكبها السياسيون والأحزاب السياسية في الماضي والحاضر ، والتي خلقت  كوابح كبير في سبيل التطور الاجتماعي والاقتصادي وأخفقت في ايجاد مشروعا وطنياً جامعاً، وكيف استبدلته بمشاريع سلطوية تحركها الغرائز الذاتية ،  وقد ادى هذا الوضع  الى خلق أرضية سياسية هشة، مثقلة بجروح الماضي وتعقيدات الحاضر ولعل العقبة الكبراء التي لا تزال قائمة حتى الآن، تكمن في كون هذه الاحزاب والنخب السياسية مازالت منشغلة اما ف استشر في ايدلوجيات خطاء وقد عفى عليها الزمن، او  انها مشغولة بمصالحها وصراعاتها الداخلية البينية ،ومع الاخر . كل ذلك العبء جعلها غافلة أو متغافلة بصورة شبه كلية النتائج الكارثية التي يمكن أن تحدث كنتيجة حتمية لإهمال البناء السليم للقاعدة المتينة التي تتحرك في إطارها السياسية الوطنية في التحرر من اعتى نظام سياسي وثقافي استبدادي في العصر الراهن  وبناء الدولة الجنوبية القادمة.

لقد شاركت النخب السياسية الجنوبية  والأحزاب السياسية في الجنوب كما هي عليه اليوم الحماقات الطفولية المستندة على عقليات الالقاء والتهميش والاستئثار بالنضال لوحدها ،  بارتكاب اخطأ استراتيجية فضيعة ، تمثل ذلك  في رفضها للواقع الموضوعي التي انطلقت وتنطلق منه دون استيعاب له ، ففي الماضي اتجهت في  تدمير بنى المجتمع الاساسية  منذو ستينات القرن الماضي دون تقديرها لإمكانية خلق بنى اجتماعية بديلة لها تعمل معها على إنشاء قاعدة سياسية وطنية قوية تحتضن الحراكة السياسية الوطنية في الجنوب ، وترك المجتمع دون مرجعيات وطنية جامعة له تدير التنوع وتمنع الصراع . وقد ظهرت نتيجة  ذلك العمل واضحة اليوم في تعدد ما يسمى بالكيانات الحراكية في الساحة السياسية الجنوبية التي لا تعبر موضوعياً عن التنوع في خيارات المجتمع بل تعكس النزعة والمواقف الشخصية لهؤلا النخب الذين يتصدرون هرم المكونات الجنوبية ، غيرعا بهين بمدى استقلال ذلك من قبل الطرف الاخر الذي يمارس سيطرته على الجنوب .

 في هذا الاطار نلاحظ ضعف أو غياب القرار والرؤية السياسية الوطنية الجامعة لدى النخب السياسية والخيارات المبنية على قاعدة التحالف الوطني لكل الفئات والشرائح الاجتماعية الجنوبية ، و من أجل تحقيق صيغ متوازنة تحاول أن تحد من حالات الانهيار التي قد تتعرض لها العملية السياسية في أية لحظة  لابد على النخب السياسية والقيادية  والأحزاب السياسية  الجنوبية  أن تعي أهمية الاستقلال السياسي فيما يخص قضية شعب الجنوب عن علاقتها بمركز صنعاء ،  والدول الاقليمية وأن تتعاون جميعا فيما بينها بغض النظر عن الاختلافات في الآراء أو المسارات او الرؤى،  للمشاركة الفعالة في بناء القاعدة الاساسية الوطنية المتينة التي تتحرك فيها جميع الانشطة السياسية ” الوطن الجنوبي ”  و تلتحم مع بقية مكونات العملية السياسية الجنوبية الفاعلة على ارض الواقع  ، وتجنب القضية من الوقوع في فلك التجاذبات  السياسية الخارجية وتحويلها نحو المصلحة الوطنية اولا .

حيث تبدوا الصورة الآن غير ناضجة  وواضحة تماما، لأن الصراعات التي جرت ولا تزال جارية بين السياسيين او النخب السياسية الجنوبية في الاحزاب او الحراك ، تؤكد أنهم لم يعطوا الاهمية اللازمة لقضية شعب الجنوب ، ولم يشغلوا أنفسهم بالبناء الصحيح للتحرك السياسي في اتجاه تمثيل قضيتهم في الداخل والخارج والسبب يتعلق بالانشغال بالمنافع الآنية كالمناصب والأموال والجاه وما الى ذلك، في حين نرى الاحزاب ومعظم السياسيين المشتغلين في الحقل السياسي يتخلون عن المهمة الاولى التي تقع على عاتقهم ، وهي صياغة وصيانة القرار السياسي المستقل الذي يدافع بقوة عن قضية  شعب الجنوب الذي ينتمون اليه.

 ان الوقائع السياسية الساخنة التي تحدث حاليا على الأرض تشير بدلائل ومظاهر تنطوي على خطورة واضحة، فقد تصاعدت وتيرة الصراع بين المكونات والنخب الرئيسة في العملية السياسية الجنوبية حراك وأحزاب سياسية  تتشظى شيء فشيء وهي غاية في الاهمية ، تشكل تحديا امام قضية شعب الجنوب ويمكن ملاحظتها  بوضوح  كالانشطار  بعض القوى السياسية وارتباطاتها بصنعاء او بالخارج ، حيث تتطلع لدعمها وإسنادها على حساب اطراف آخرى ، وهكذا يبدو هامش الاستقلال السياسي والحزبي ضئيلاٍ إن لم يكن منعدما تماما .

 فهل فات الأوان الآن، أم لا تزال هناك فرص للأحزاب الجنوبية والحراكية كي تتحرك بالاتجاه المطلوب وإعادة النظر بمنهجها وتمترسها خلف القناعات الشخصية والزبونية والعنتريات الزعاميه  والمكونات الهلاميه ؟  ولغرض تلافي هذه الحالة السياسية المرضية الخطيرة ، إذ لم يفت أوان التصحيح ، يمكن للأحزاب الجنوبية الوطنية وقوى الحراك  والنخب السياسية الجنوبية المجربه اينما وجدت أن تتحدى الذات المدمره  والنزوات الشخصية  والابتعاد عن الحقد والأنانية  والكبرياء  وتقوم بما يلي:

1-  ترك التجمعات الصغيرة ذات الطابع النفعي اكان المادي او الفئوي .

2- التشجيع على المشاركة السياسية وتوسيعها على نطاق عام في المجتمع .

3- الابتعاد عن التشنج والتطرف والاستخدام الخاطئ للتصريحات والأعلام  والبيانات معا.

4- مد جسوالثقة المتبادلة بين جميع الأحزاب الجنوبية والمكونات الحراكية والشعبية والايمان القطعي بأن استقلال الجنوب هو الهدف الأعظم للجميع .

5- أن تتنبّه جميع القوى السياسية الى أهمية صنع الارضية السياسية الجنوبية والوطنية المستقلة، والايمان بأنها الحل الوحيد والضامن للعملية السياسية وهي الطريقة الناجعة لتحقيق استقلال الجنوب وإعادة بناء دولته الوطنية على ارضه .

6- اعادة النظر في المفاهيم السياسية التي تتعلق بقضية شعب الجنوب والاستفادة من التخصصات العلمية والخبرات السياسية الناجحة .

7- الابتعاد عن منهج وأساليب العمل السياسي الموروثه من الماضي أو تلك المعتملة في الحاضر

8- الايمان بان الجنوب وطن مستقل ذو سيادة تعرض ويتعرض لمؤامرات وتحديات عديدة داخلية وخارجية ، وجب فهمها والعمل المشترك على مجابهتها .

9- الايمان بان الجنوب القام لا السابق ولا الحالي بل جنوبا جديدا يتعايش ويتواءم مع محيطة الجغرافي الاقليمي ويراعي المصالح المشتركة .

10- التخلي عن الذاتية المفرطة والشعور بأحقية الاستحقاقات القادمة التي لا تستند على معطيات الواقع الراهن الذي يحقق التوازن الوطني والازدهار العلمي والمعرفي .