fbpx
وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية المقّرة من قبل لجنة القضية .. هل هي فخ جديد نُصب للجنوب ؟

في الاسبوع الماضي تم نشر مقترح الوثيقة أعلاه والمقدمة من السيد جمال بن عمر مبعوث الامين العام للأمم المتحدة المتضمنة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية ، وقد اعتبرتها عدد من الأطراف السياسية الموقعة عليها بأنها من أهم مخرجات الحوار ووصفتها بالركيزة الأساسية لمؤتمر الحوار حيث كان المبعوث الاممي السيد جمال بن عمر قد تقدم بهذه الوثيقة كمقترح منه للخروج من المأزق الذي يمر فيه مؤتمر الحوار.

ومعروف أن مؤتمر الحوار الوطني جاء بناءً على المبادرة التي تقدمت بها عدد من دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2011م لمعالجة الأزمة التي نشبت بين طرفي الصراع على السلطة في صنعاء.

يذكر أن قضية الجنوب وحراكه السلمي لم تكن حاضرة في مرحلة إعداد الوثيقة والتحاور بشأنها وقد أدرج أسم الحراك الجنوبي بوصفه حامل سياسي لقضية الجنوب في عبارة واحدة في الملحق بالوثيقة أي في آليتها التنفيذية وهو الأمر الذي كشف عن الفهم القاصر والتقليل من حجم وأهمية قضية الجنوب ، وقد تبين ان هذا التقليل كان مقصوداً يحمل في طياته مآرب عدة منها التخطيط لوجود جنوب ضعيف في الحوار وتمرير مخرجات للقضية لا ترتقي الى اهميتها وتكريس ما يسوقه نظام صنعاء عن قضية الجنوب بوصفها قضية جزئية مطلبيه وان حلها يأتي ضمن هامش ما سوف يخرج به مؤتمر الحوار من مخرجات .

إذ كان الحراك الجنوبي بكل قواه الحية قد استشعر ذلك الفخ وتلك المؤامرة التي تحاك ضد قضية شعبه ولم يكن حينها أمام الحراك إلاّ الرفض المطلق لهذا الحوار المزعوم والملغوم ، وقد لاحظنا ردود الافعال تجاه موقف الحراك على المستويين الداخلي والخارجي بسبب موقفهم هذا والمؤسف له هنا هو عدم التفهم لمعنى ذلك الرفض الذي كان يطالب بحوار جدي بين طرفي الصراع الشمال والجنوب باعتبار ان قضية الجنوب هي مع الشمال وهذا هو ما يمكن ان يستخلصه المتابع لسير العملية السياسية في مؤتمر الحور .

وتجاه ثبات الحراك الجنوبي بموقفه الذي عززته عشر مليونيات خرج بها شعب الجنوب الى الشارع يعبر عن رفضه لذالك الحوار ويحدد خياره في تقرير مصيره ورفضه لأي حلول منقوصة ومفروضة عليه. وتجاه ذلك كثفت قوى صنعاء عملها والذي اتجه نحو تفريخ الحراك الجنوبي واستحضرت كل أساليب الخداع والاختراق والترغيب والترهيب واستطاعت استمالة قلة من الجنوبيين إلى الحوار كما حاولت ان تظلل الرأي العام الخارجي بما اسمته بالمناصفة الخاصة بأعضاء مؤتمر الحوار وجاءت بصيغة تحايل واضح عندما خصصت تلك المناصفة بين القوى السياسية والمدينة في الشمال والجنوب تضمن من خلالها وصول عدد شكلي من الجنوب باسم التنظيمات السياسية، التي تقف جميعها على النقيض من خيار شعب الجنوب ، فضلاً عن جدولة الحوار في تسع قضايا رئيسية وجراء تقسيم أعضاء الحوار على تلك القضايا التسع والهدف من ذلك هو إظهار أن قضية الجنوب ما هي إلاّ قضية من جملة قضايا .

وقد لاحظنا في الأخير أن قضية الجنوب قد تحولت إلى القضية الرئيسية للحوار ؟! دار حولها صخب وشد وجذب كثير وصل الأمر إلى تدخل الرئيس هادي بفصل عدد من ممثلي الحراك الذين لم يتوافقوا أو ينفذوا الأجندة التي خطط لها واستبدالهم بآخرين وذلك امرا مخالفاً للنظام الاساسي لمؤتمر الحوار . وهو الامر الذي انعكس سلباً على سير جلسات الحوار الذي تابعها الجميع إذ وصل الى مآزق اعاقة الوصول إلى صيغة تتضمن حل قضية الجنوب . وتكشف للعالم بان الشمال لا يريد الوحدة مع الجنوب بل يريد جنوبا تابعا خاضعا خانعا له . كل ذلك يشير إلى عدم وجود النوايا الواضحة والصريحة من قبل صنعاء التي تتفهم حقيقة قضية الجنوب ، بل يمكن ان نقرا بأن الحوار كان يستهدف الالتفاف على قضية الجنوب ووئد ها، وقد تبين للعالم أن صنعاء بكل قواها التقليدية والسياسية والمدنية لا تريد حلاً لقضية الجنوب وهذا كشف زيفهما عن الوحدة، أي أنهما لم يريدوا وحدة مع الجنوب بل يريدون جنوباً تابعاً خاضعاً خنوعاً لصنعاء، وهذا لم ولن يتحقق لانه منافي للمنطق والحق . ولم يبقى أمام ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السيد جمال بن عمر الذي قضى معظم وقته يستمع للتزييف والخداع والكذب من قبل أطراف عديدة في صنعاء حول قضية الجنوب أو الاستماع لتلك القوي التي نصبت بديلاً عن الحراك، مما يستدعي منه ان يضع القضية في نصابها القانوني والشرعي اذا ما اراد المجتمع الدولي ان يضمن الامن والاستقرار في اليمن .

ويمكن لنا أن نوجز بعض الملاحظات السريعة على هذا المقترح ” الوثيقة ” الذي حددت عدد من المبادئ الخاصة بالحلول والضمانات لقضية الجنوب. ورد في احدى فقرات الوثيقة بأنها تحقق القدر الممكن من التوافق لحل قضية الجنوب في إطار دولة موحدة على أساس اتحادي جديد وفق مبادئ دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية. فما هي هذه الدولة الاتحادية التي لم يحدد أطرافها ، ويمكن ضمنياً قراءتها بأنها دولة بين الشمال والجنوب؟؟ طالما أنها جاءت لمعالجة قضية الجنوب وهي تلك القضية التي تتصل بشعب ودولة الجنوب كحق تاريخي وان قضية الجنوب هي مع الشمال وهي نتائج لوحدة الدولتين الفاشلة بسبب سيطرة طرف على الأخر الامر الذي أنتج قضية في الجنوب مع طرف آخر لا توجد له قضية هو الطرف المسيطر الشمال، فلماذا لم تحدد أطراف هذه الدولة الاتحادية بوضوح؟؟ شملت هذه الوثيقة بعض العبارات لم نرى فيها سواء الاستخفاف والاستهتار بتضحيات الجنوب رغم ما جاء ت به في عبارة (تقدير مساهمات وتضحيات الحراك الجنوبي ) ولم يستوعب بعد أن تضحيات الحراك بتلك الآلاف من الشهداء والجرحى ناهيك عن التضحيات الأخرى التي دفعها الجنوب خلال 23 سنة ماضية ، فالأمر هنا يتعدى ذلك التقدير بكثير تضحيات من اجل الوصول إلى الحق في تحرره واستقلاله وكرامته ، فالتضحيات لا تتعلق بالتعويضات والتي كان ممكن اللجوء إلى المحاكم للمطالبة بها.

لقد وردت عدد من العبارات والجمل في الوثيقة وهي غير واضحة ويمكن أن تأول بطرق عدة مثلاً عدم العودة إلى الماضي فأي ماضي عدم العودة اليه هل الدولة الجنوبية أم النظام السابقة أم وحدة القوة ؟؟ أشارة الوثيقة إلى الالتزام بإيجاد حلاً شاملاً لقضية الجنوب يرمي الى أسس دولة (جديدة) ذات صفة اتحادية ولم يشير بوضوح إلى الجنوب بوصفة طرفاً في الاتحاد . حددت الوثيقة (11) مبدأ تقوم عليها الدولة الاتحادية القادمة حيث يلاحظ أن كل فقرة من هذه المبادئ بحاجة إلى مبادرة وحوار لوحدها، عبارات وجمل بحاجة إلى توضيح.

ذكر اسم الجنوب والجنوبيين 13 مرة إلا أنه لم يحدد ما هو الجنوب وحدوده وأن كانت تفهم بحدود جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. يظهر أن هذا المقترح لم يوضح معالجات واضحة لقضية الجنوب كما تم الإشارة إليها في عنوانها ومقدمتها ، بل أرجئت ذلك إلى المرحلة القادمة وهنا يحق لنا أن نسأل يا ترى من الذي يمثل الجنوب في لجنة إعداد الدستور أم أنه قد أنجز كما تم التعامل مع الجنوب في المبادرة الخليجية وبالتالي قد يأتون بممثلين كما يراهم في صنعاء؟ فطالما أن الوثيقة تختص بالجنوب أعتقد أن يمُثل فيها الجنوب الحقيقي عبر حاملة الرئيسي الحراك الثوري بما لا يقل عن 50%.

فهل ممكن ان يعمل الرئيس هادي بأن لا يفوت المرحلة الثانية لمعالجة القضية وأن يأتي بمثلين في اللجنة التي تقر الأقاليم ولجنة الدستور من العناصر الجنوبية التي تمثل الشارع الجنوبي حقاً ؟؟ وهل يتجرد الرئيس هادي من حساباته المتأثرة بماضية البعيد والقريب ؟ حيث كان هادي في الفترة السابقة أي فترة الحوار قد بذل جهداً في سبيل معالجة بعض القضايا في الشمال ولم يتعامل مع قضية الجنوب بنفس ذلك القدر، كان في صنعاء واقعاً تحت الابتزاز التي تمارسه أطراف شمالية عدة.

في فقرة 9 نفسها تم التركيز على إعطاء الجنوبيين 50% من الوظائف في المرحلة الاولى لماذا في هذه المرحلة فقط فإذا كان ذلك يشير إلى حق الجنوب لماذا لا يكون بصورة دائمة، أم أن ذلك فخاً جديداً يستدرج إليه الجنوب ؟ الشيء الملفت للانتباه هو ذلك الأسلوب والطريقة التي تعاملت معها القوى السياسية في الشمال عندما بادرة في إثارة ردود أفعال رافضة للمبادرة وهي من وقعها ، كما يقول المثل الشعبي ضربني وبكاء وسبق واشتكى ، فالجنوبيين لا ينظرون لذلك ألاّ سواء محاولة لذلك المكر والشيطنة التي عُرفوا بها في الشمال ، تحاول تحسين وضع الشمال في التفاوض والعمل القادم وإظهار عدم رضائهم خدعة .

– ان شعب الجنوب بكافة فئاته وشرائحه الاجتماعية والسياسية قد عبر أكثر من مره عن موقفه الرافض للحوار الدائر في صنعاء وما يترتب عنه من مخرجات .

وان وثيقة مخرجات اللجنة المصغرة للحوار المتضمنة حلول القضية الجنوبية المقدمة من المبعوث الأممي جمال بن عمر لا تعدوا أن تكون إلا ورقة توافقية لإخراج ما وجه الدول الرعاية وأن الحوار قد انتهى أعماله بتسوية ، إلا أننا نعتبرها من وجه نظر شخصية هي أول وثيقة سياسية بإشراف دولي تعترف بوجود قضية جنوبية وتعترف بفشل الوحدة الاندماجية بين الشمال والجنوب وتقترح حلولاً لإعادة تأسيسها خلال فترة انتقالية إضافة إلى معالجات للمظالم التي ارتكبت في الجنوب والمحددة ب (31) نقطة . فالوثيقة تشير إلى إيمآت ضمنية لهوية الجنوب وهوية الشمال إلا أن ما يؤخذ على الوثيقة ما يلي:

1- أن الوثيقة تم التوقيع عليها من قبل عدة أطراف سياسية مشاركة في مؤتمر الحوار جميعها لا تملك شرعية التوقيع لعدم تفويضها من قبل شعب الشمال وشعب الجنوب ثم لكونها تخص القضية الجنوبية وتأسس لدولة اتحادية بين الشمال والجنوب فإن اللازم قانونًا حصول التوقيع من قبل ممثلين شرعيين من الطرف الشمالي والطرف الجنوبي أي أن تلك الوثيقة لا تكون ملزمة قانوناً إلا بتمثيل هذين الطرفين علاوة على أن الموقعين من قبل من يزعموا بتمثيلهم للجنوب كحراكيين ليس لهم من شرعية كونهم غير مفوضين من الحراك وهذا مخالف للائحة الداخلية لمؤتمر الحوار.

2- أن تأسيس الدولة الاتحادية المرتقبة والتي تضمنتها الوثيقة سيكون الأساس القانوني لإنشائها هو الدستور المزمع والذي ستتم صياغته خلال فترة ما بعد انتهاء الحوار وليكون الدستور هو من القوانين الداخلية ومن ثم فإن هذا لعقد الاجتماعي الجديد (الدستور) يعد داخلياً أساسه الدولة اليمنية الموحدة التي تمت في عام 90م، وهي التي انتجت ظهور القضية الجنوبية ولم يكن هذا العقد الجديد الذي يؤسس لدولة اتحادية أساسه اتفاقية بين طرفين الشمال والجنوب أي بين دولتين لأعضاء الصفة الدولية لهذه الاتفاقية وفقاً لقواعد القانون الدولي وما استقر عليه الفقه القانوني.

ولكي تكون أي وثيقة أو اتفاقية ملزمة قانونًا تحدد شكل الدولة في اليمن يجب أن تمثل طرفين تمثيلاً شرعياً في الشمال والجنوب وذلك لن يتأثر إلا بعودة الدولتين السابقتين سابق لمهدهما (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية )، و(الجمهورية العربية اليمنية ).

أما أن تأسيس الدولة الاتحادية بحسب ما احوته الوثيقة على أساس صياغة دستور جديد انطلاقاً في الدولة البسيطة الموحدة. وهذا يعني الاعتراف بمشروعية الوحدة الأنماجية الحالية وصحة ومشروعية كل ما يترتب على هذه الوحدة في حرب جهوية على الجنوب وما ترتب عليها من آثار مدمرة للجنوب. غير هذا لا يعني سوق حكم محلي في أطار دولة بسيطة تحت مسمى اتحادي زائف.. نظراً لعدم وجود أطراف الاتحاد على الواقع المادي.. فالاتحاد لا يكون إلا من كياناً موجودة أصلاً. مثل اتحاد الإمارات العربية المتحدة، وجود الأمارات كان سابق الوجود الاتحاد على أرض الواقع، ثم جاء بعدها الشكل الاتحادي.